الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر المزني ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: رَجَمَ صلى الله عليه وسلم مُحْصَنَيْنِ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، وَرَجَمَ عُمَرُ مُحْصَنَةً وَجَلَدَ عليه السلام بِكْرًا مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَبِذَلِكَ أَقُولُ، فَإِذَا أَصَابَ الْحُرُّ أَوْ أُصِيبَتْ الْحُرَّةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَقَدْ أَحْصَنَا فَمَنْ زَنَى مِنْهُمَا فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْضُرَ رَجْمَهُ وَيَتْرُكَ، فَإِنْ لَمْ يُحْصِنْ جُلِدَ مِائَةً وَغُرِّبَ عَامًا عَنْ بَلَدِهِ بِالسُّنَّةِ، وَلَوْ أَقَرَّ مَرَّةً حُدَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُنَيْسًا أَنْ يَغْدُوَ عَلَى امْرَأَةٍ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا. وَأَمَرَ عُمَرُ رضي الله عنه أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْمُرَا بِعَدَدِ إقْرَارِهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ الْحُدُودَ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ وَمَتَى رَجَعَ تَرَكَ وَقَعَ بِهِ بَعْضُ الْحَدِّ أَوْ لَمْ يَقَعْ. قَالَ وَلاَ يُقَامُ حَدُّ الْجَلْدِ عَلَى حُبْلَى وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ الْمُدْنِفِ وَلاَ فِي يَوْمٍ حَرُّهُ أَوْ بَرْدُهُ مُفْرِطٌ وَلاَ فِي أَسْبَابِ التَّلَفِ، وَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً حُبْلَى فَتُتْرَكَ حَتَّى تَضَعَ وَيُكْفَلَ وَلَدُهَا، وَإِنْ كَانَ الْبِكْرُ نِضْوَ الْخَلْقِ إنْ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ تَلِفَ ضُرِبَ بِإِثْكَالِ النَّخْلِ اتِّبَاعًا لِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ فِي مِثْلِهِ وَلاَ يَجُوزُ عَلَى الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ إلَّا أَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ: رَأَيْنَا ذَلِكَ مِنْهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا دُخُولَ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قُلْت: أَنَا وَلَمْ يَجْعَلْ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ إتْيَانَ الْبَهِيمَةِ زِنًا وَلاَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي مَسِّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ وُضُوءًا. قَالَ وَإِنْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ قَبِلْتهمْ إذَا كَانَ الزِّنَا وَاحِدًا وَمَنْ رَجَعَ بَعْدَ تَمَامِ الشَّهَادَةِ لَمْ يُحَدَّ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ شُهُودُ الزِّنَا أَرْبَعَةً فَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ فَإِنْ رُجِمَ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ سَأَلْته فَإِنْ قَالَ: عَمَدْت أَنْ أَشْهَدَ بِزُورٍ مَعَ غَيْرِي لِيَقْتُلَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ قَالَ: شَهِدْت وَلاَ أَعْلَمُ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ غَيْرَهُ أُحْلِفَ وَكَانَ عَلَيْهِ رُبُعُ الدِّيَةِ وَالْحَدُّ وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَ الْبَاقُونَ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا أَرْبَعَةٌ وَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ عُدُولٍ أَنَّهَا عَذْرَاءُ فَلاَ حَدَّ وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الزِّنَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا وَحَدُّ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ- أَحْصَنَا بِالزَّوَاجِ أَوْ لَمْ يُحْصِنَا- نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَالْجَلْدُ خَمْسُونَ جَلْدَةً وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي نَفْيِهِ نِصْفَ سَنَةٍ وَقَطَعَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنْ يُنْفَى نِصْفَ سَنَةٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قُلْت: أَنَا وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى قِيَاسًا عَلَى نِصْفِ مَا يَجِبُ عَلَى الْحُرِّ مِنْ عُقُوبَةِ الزِّنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَيَحُدُّ الرَّجُلُ أَمَتَهُ إذَا زَنَتْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا فَلَنَا أَنْ نَحْكُمَ أَوْ نَدَعَ فَإِنْ حَكَمْنَا حَدَدْنَا الْمُحْصَنَ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَجَلَدْنَا الْبِكْرَ مِائَةً وَغَرَّبْنَاهُ عَامًا وَقَالَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: إنَّهُ لاَ خِيَارَ لَهُ إذَا جَاءُوهُ فِي حَدِّ اللَّهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ لِمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ}. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَوْلَى قَوْلَيْهِ بِهِ إذْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَهُمْ صَاغِرُونَ} أَنْ تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلاَمِ مَا لَمْ يَكُنْ أَمْرُ حُكْمِ الْإِسْلاَمِ فِيهِ تَرْكَهُمْ وَإِيَّاهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله إذَا قَذَفَ الْبَالِغُ حُرًّا بَالِغًا مُسْلِمًا أَوْ حُرَّةً بَالِغَةً مُسْلِمَةً حُدَّ ثَمَانِينَ فَإِنْ قَذَفَ نَفَرًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدُّهُ فَإِنْ قَالَ: يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ، وَكَانَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ مَيِّتَيْنِ فَعَلَيْهِ حَدَّانِ وَيَأْخُذُ حَدَّ الْمَيِّتِ وَلَدُهُ وَعَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَلَوْ قَالَ الْقَاذِفُ لِلْمَقْذُوفِ: إنَّهُ عَبْدٌ فَعَلَى الْمَقْذُوفِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْحَدَّ وَعَلَى الْقَاذِفِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْحَدَّ، وَلَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ، فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت نَبَطِيَّ الدَّارِ أَوْ اللِّسَانِ؛ أَحَلَفْته مَا أَرَادَ أَنْ يَنْسُبَهُ إلَى النَّبَطِ وَنَهَيْته أَنْ يَعُودَ وَأَدَّبْته عَلَى الْأَذَى فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَلَفَ الْمَقْذُوفُ لَقَدْ أَرَادَ نَفْيَهُ وَحُدَّ لَهُ فَإِنْ عَفَا فَلاَ حَدَّ لَهُ. وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِالْقَذْفِ الْأَبَ الْجَاهِلِيَّ حَلَفَ وَعُزِّرَ عَلَى الْأَذَى. وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا دُرِئَ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدُّ وَعُزِّرَ وَلاَ يُحَدُّ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ إلَّا حَدَّ الْعَبْدِ وَلاَ حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ التَّعْرِيضَ فِيمَا حُرِّمَ عَقْدُهُ فَقَالَ {وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} وَقَالَ تَعَالَى {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} فَجَعَلَ التَّعْرِيضَ مُخَالِفًا لِلتَّصْرِيحِ فَلاَ يُحَدُّ إلَّا بِقَذْفٍ صَرِيحٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا لِثُبُوتِ الْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه قَطَعَ سَارِقًا فِي أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صِرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ قَالَ مَالِكٌ: هِيَ الْأُتْرُجَّةُ الَّتِي تُؤْكَلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى قَطْعِ مَنْ سَرَقَ الرُّطَبَ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ إذَا بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ وَأَخْرَجَهَا مِنْ حِرْزِهَا، وَالدِّينَارُ هُوَ الْمِثْقَالُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ يُقْطَعُ إلَّا مَنْ بَلَغَ الِاحْتِلاَمَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْحَيْضَ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ أَيُّهُمَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ أَوْ لَمْ تَحِضْ، وَجُمْلَةُ الْحِرْزِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْمَسْرُوقِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي سُرِقَ مِنْهُ يَنْسُبُهُ الْعَامَّةُ إلَى أَنَّهُ حِرْزٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قُطِعَ إذَا أَخْرَجَهَا مِنْ الْحِرْزِ وَإِنْ لَمْ يَنْسُبْهُ الْعَامَّةُ إلَى أَنَّهُ حِرْزٌ لَمْ يُقْطَعْ وَرِدَاءُ صَفْوَانَ كَانَ مُحْرَزًا بِاضْطِجَاعِهِ عَلَيْهِ فَقَطَعَ عليه السلام سَارِقَ رِدَائِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله إذَا ضُمَّ مَتَاعُ السُّوقِ إلَى بَعْضٍ فِي مَوْضِعِ تَبَايَعَاهُ وَرُبِطَ بِحَبْلٍ أَوْ جُعِلَ الطَّعَامُ فِي حَبْسٍ وَخِيطَ عَلَيْهِ قُطِعَ وَهَكَذَا يُحْرَزُ، وَإِذَا كَانَ يَقُودُ قِطَارَ إبِلٍ أَوْ يَسُوقُهَا وَقَطَرَ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ فَسَرَقَ مِنْهَا أَوْ مِمَّا عَلَيْهَا شَيْئًا قُطِعَ وَإِنْ أَنَاخَهَا حَيْثُ يَنْظُرُ إلَيْهَا فِي صَحْرَاءَ أَوْ كَانَتْ غَنَمًا فَآوَاهَا إلَى مُرَاحٍ فَاضْطَجَعَ حَيْثُ يَنْظُرُ إلَيْهَا فَهَذَا حِرْزُهَا، وَلَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا وَآوَى فِيهِ مَتَاعَهُ فَاضْطَجَعَ فَسَرَقَ الْفُسْطَاطَ وَالْمَتَاعَ مِنْ جَوْفِهِ قُطِعَ؛ لِأَنَّ اضْطِجَاعَهُ حِرْزٌ لَهُ وَلِمَا فِيهِ إلَّا أَنَّ الْأَحْرَازَ تَخْتَلِفُ فَيُحْرَزُ كُلٌّ بِمَا تَكُونُ الْعَامَّةُ تُحْرِزُ مِثْلَهُ. وَلَوْ اضْطَجَعَ فِي صَحْرَاءَ وَوَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ تَرَكَ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ مَتَاعَهُمْ فِي مَقَاعِدَ لَيْسَ عَلَيْهَا حِرْزٌ لَمْ يُضَمَّ وَلَمْ يُرْبَطْ أَوْ أَرْسَلَ رَجُلٌ إبِلَهُ تَرْعَى أَوْ تَمْضِي عَلَى الطَّرِيقِ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ أَوْ أَبَاتَهَا بِصَحْرَاءَ وَلَمْ يَضْطَجِعْ عِنْدَهَا أَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا فَلَمْ يَضْطَجِعْ فِيهِ فَسُرِقَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لاَ تَرَى هَذَا حِرْزًا وَالْبُيُوتُ الْمُغْلَقَةُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا، وَإِنْ سُرِقَ مِنْهَا شَيْءٌ فَأُخْرِجَ بِنَقْبٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ قَلْعَةٍ قُطِعَ وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مَفْتُوحًا لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْبَيْتِ وَالْحُجْرَةِ إلَى الدَّارِ وَالدَّارُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَحْدَهُ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا حِرْزٌ لِمَا فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْحُجْرَةِ إلَى الدَّارِ فَلَيْسَتْ الدَّارُ بِحِرْزٍ لِأَحَدٍ مِنْ السُّكَّانِ فَيُقْطَعَ وَلَوْ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَوَضَعَهَا فِي بَعْضِ النَّقْبِ وَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْ خَارِجٍ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ رَمَى بِهَا فَأَخْرَجَهَا مِنْ الْحِرْزِ قُطِعَ، وَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً فَحَمَلُوا مَتَاعًا فَأَخْرَجُوهُ مَعًا يَبْلُغُ ثَلاَثَةَ أَرْبَاعِ دِينَارٍ قُطِعُوا وَإِنْ نَقَصَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعُوا وَإِنْ أَخْرَجُوهُ مُتَفَرِّقًا فَمَنْ أَخْرَجَ مَا يُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَإِنْ لَمْ يَسْوَ رُبُعَ دِينَارٍ لَمْ يُقْطَعْ. وَلَوْ نَقَبُوا مَعًا ثُمَّ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُخْرِجْ بَعْضٌ قُطِعَ الْمُخْرِجُ خَاصَّةً. وَإِنْ سَرَقَ سَارِقٌ ثَوْبًا فَشَقَّهُ أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا فِي حِرْزِهَا ثُمَّ أَخْرَجَ مَا سَرَقَ فَإِنْ بَلَغَ رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ مَا سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ ثُمَّ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَصَارَتْ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ ثُمَّ زَادَتْ الْقِيمَةُ فَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْحَالِ الَّتِي خَرَجَ بِهَا مِنْ الْحِرْزِ وَلَوْ وُهِبَتْ لَهُ لَمْ أَدْرَأْ بِذَلِكَ عَنْهُ الْحَدَّ. وَإِنْ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا لاَ يَعْقِلُ أَوْ أَعْجَمِيًّا مِنْ حِرْزٍ قُطِعَ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ سَرَقَ مُصْحَفًا أَوْ سَيْفًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يَحِلُّ ثَمَنُهُ قُطِعَ، وَإِنْ أَعَارَ رَجُلاً بَيْتًا فَكَانَ يُغْلِقُهُ دُونَهُ فَسَرَقَ مِنْهُ رَبُّ الْبَيْتِ قُطِعَ وَيُقْطَعُ الْعَبْدُ آبِقًا وَغَيْرَ آبِقٍ وَيُقْطَعُ النَّبَّاشُ إذَا أَخْرَجَ الْكَفَنَ مِنْ جَمِيعِ الْقَبْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا حِرْزُ مِثْلِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي السَّارِقِ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ} وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ الْيُسْرَى، وَقَدْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَإِذَا سَرَقَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ وَحُسِمَتْ بِالنَّارِ فَإِذَا سَرَقَ الثَّانِيَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ فَإِذَا سَرَقَ الثَّالِثَةَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ فَإِذَا سَرَقَ الرَّابِعَةَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ وَيَقْطَعُ بِأَخَفِّ مُؤْنَةٍ وَأَقْرَبِ سَلاَمَةٍ وَإِنْ سَرَقَ الْخَامِسَةَ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلاَ يُقْطَعُ الْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ يُقَامُ عَلَى سَارِقٍ حَدٌّ إلَّا بِأَنْ يَثْبُتَ عَلَى إقْرَارِهِ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ بِعَدْلَيْنِ يَقُولاَنِ: إنَّ هَذَا بِعَيْنِهِ سَرَقَ مَتَاعًا لِهَذَا مِنْ حِرْزِهِ بِصِفَاتِهِ يُسَاوِي رُبُعَ دِينَارٍ وَيَحْضُرُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَيَدَّعِي شَهَادَتَهُمَا فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا مَتَاعُهُ غَلَبَهُ عَلَيْهِ وَابْتَاعَهُ مِنْهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِهِ لَمْ أَقْطَعْهُ؛ لِأَنِّي أَجْعَلُهُ لَهُ خَصْمًا لَوْ نَكَلَ صَاحِبُهُ أَحَلَفْت الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَدَفَعْته إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ رَبُّ الْمَتَاعِ حُبِسَ السَّارِقُ حَتَّى يَحْضُرَ. وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ عَلَى سَرِقَةٍ أَوْجَبْت الْغُرْمَ فِي الْمَالِ وَلَمْ أُوجِبْهُ فِي الْحَدِّ، وَفِي إقْرَارِ الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ فِي بَدَنِهِ فَأَقْطَعُهُ وَالْآخَرُ فِي مَالِهِ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُ مَالاً فَإِذَا أُعْتِقَ وَمَلَكَ أَغْرَمْته.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أُغْرِمُ السَّارِقَ مَا سَرَقَ قُطِعَ أَوْ لَمْ يُقْطَعْ، وَكَذَلِكَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَالْحَدُّ لِلَّهِ فَلاَ يُسْقِطُ حَدُّ اللَّهِ غُرْمَ مَا أَتْلَفَ لِلْعِبَادِ. مَا لاَ قَطْعَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَلاَ فِي خِلْسَةٍ وَلاَ عَلَى عَبْدٍ سَرَقَ مِنْ مَتَاعِ سَيِّدِهِ وَلاَ عَلَى زَوْجٍ سَرَقَ مِنْ مَتَاعِ زَوْجَتِهِ وَلاَ عَلَى امْرَأَةٍ سَرَقَتْ مِنْ مَتَاعِ زَوْجِهَا وَلاَ عَلَى عَبْدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَرَقَ مِنْ مَتَاعِ صَاحِبِهِ لِلْأَثَرِ وَالشُّبْهَةِ وَلِخُلْطَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ: إذَا سَرَقَتْ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا الَّذِي لَمْ يَأْتَمِنْهَا عَلَيْهِ وَفِي حِرْزٍ مِنْهَا قُطِعَتْ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: هَذَا أَقْيَسُ عِنْدِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُقْطَعْ مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَوْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ أَجْدَادِهِ مِنْ قِبَلِ أَيِّهِمَا كَانَ وَلاَ يُقْطَعُ فِي طُنْبُورٍ وَلاَ مِزْمَارٍ وَلاَ خَمْرٍ وَلاَ خِنْزِيرٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِّبُوا وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ وَنَفْيُهُمْ إذَا هَرَبُوا أَنْ يُطْلَبُوا حَتَّى يُؤْخَذُوا فَيُقَامَ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذَا أَقُولُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ هُمْ الَّذِينَ يَعْتَرِضُونَ بِالسِّلاَحِ الْقَوْمَ حَتَّى يَغْصِبُوهُمْ الْمَالَ فِي الصَّحَارِي مُجَاهَرَةً وَأَرَاهُمْ فِي الْمِصْرِ إنْ لَمْ يَكُونُوا أَعْظَمَ ذَنْبًا فَحُدُودُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَلاَ يُقْطَعُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ أَخَذَ رُبُعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ فِي السَّارِقِ وَيُحَدُّ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ فِعْلِهِ فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ قَتْلُهُ قَبْلَ صَلْبِهِ كَرَاهِيَةُ تَعْذِيبِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ قَتْلِ الْعَمْدِ: يُصَلَّبُ ثَلاَثًا ثُمَّ يُتْرَكُ. قَالَ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ دُونَ الصَّلْبِ قُتِلَ وَدُفِعَ إلَى أَهْلِهِ يُكَفِّنُونَهُ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ دُونَ الْقَتْلِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى ثُمَّ حُسِمَتْ بِالنَّارِ ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ حُسِمَتْ فِي مَكَان وَاحِدٍ ثُمَّ خُلِّيَ، وَمَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ وَكَثُرَ أَوْ هِيبَ أَوْ كَانَ رِدْءًا عُزِّرَ وَحُبِسَ، وَمَنْ قَتَلَ وَجَرَحَ أُقِصَّ لِصَاحِبِ الْجُرْحِ ثُمَّ قُطِعَ لاَ يَمْنَعُ حَقُّ اللَّهِ حَقَّ الْآدَمِيِّينَ فِي الْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا، وَمَنْ عَفَا الْجِرَاحَ كَانَ لَهُ وَمَنْ عَفَا النَّفْسَ لَمْ يُحْقَنْ بِذَلِكَ دَمُهُ وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ قَتْلُهُ إذَا بَلَغَتْ جِنَايَتُهُ الْقَتْلَ وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَلاَ تَسْقُطُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ كُلُّ حَقٍّ لِلَّهِ بِالتَّوْبَةِ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَبِهِ أَقُولُ. قَالَ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ الرُّفْقَةِ أَنَّ هَؤُلاَءِ عَرَضُوا لَنَا فَنَالُونَا وَأَخَذُوا مَتَاعَنَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا خَصْمَانِ وَيَسَعُهُمَا أَنْ يَشْهَدَا أَنَّ هَؤُلاَءِ عَرَضُوا لِهَؤُلاَءِ فَفَعَلُوا بِهِمْ كَذَا وَكَذَا وَأَخَذُوا مِنْهُمْ كَذَا وَكَذَا وَنَحْنُ نَنْظُرُ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَكْشِفَهُمَا عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى رَجُلٍ حُدُودٌ وَقَذْفٌ بُدِئَ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ثُمَّ حُبِسَ فَإِذَا بَرَأَ حُدَّ فِي الزِّنَا مِائَةَ جَلْدَةٍ فَإِذَا بَرَأَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ خِلاَفٍ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لِلسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ مَعًا وَرِجْلُهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مَعَ يَدِهِ ثُمَّ قُتِلَ قَوَدًا، فَإِنْ مَاتَ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الْحُدُودُ كُلُّهَا وَفِي مَالِهِ دِيَةُ النَّفْسِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَفِيهِ الْحَدُّ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ وَلاَ يُحَدُّ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ: شَرِبْت الْخَمْرَ أَوْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ يَقُولَ: شَرِبْت مَا يُسْكِرُ أَوْ يَشْرَبَ مِنْ إنَاءٍ هُوَ وَنَفَرٌ فَيَسْكَرَ بَعْضُهُمْ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّرَابَ مُسْكِرٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لاَ أُوتِيَ بِأَحَدٍ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ نَبِيذًا مُسْكِرًا إلَّا جَلَدْته الْحَدَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ قَالَ: {أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَارِبٍ فَقَالَ اضْرِبُوهُ فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَحَثَوْا عَلَيْهِ التُّرَابَ ثُمَّ قَالَ نَكِّبُوهُ فَنَكَّبُوهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ} قَالَ: فَلَمَّا كَانَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الضَّرْبَ فَقَوَّمَهُ أَرْبَعِينَ فَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الْخَمْرِ فَاسْتَشَارَ فَضَرَبَ ثَمَانِينَ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه اسْتَشَارَ فَقَالَ عَلِيٌّ نَرَى أَنْ يُجْلَدَ ثَمَانِينَ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى أَوْ كَمَا قَالَ؛ فَجَلَدَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ فِي الْخَمْرِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ نُقِيمُ عَلَيْهِ حَدًّا فَيَمُوتُ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا الْحَقُّ قَتَلَهُ إلَّا حَدَّ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ رَأَيْنَاهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ مَاتَ مِنْهُ فَدَيْته، إمَّا قَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا قَالَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ " الشَّكُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ ". قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ضَرَبَ الْإِمَامُ فِي خَمْرٍ أَوْ مَا يُسْكِرُ مِنْ شَرَابٍ بِنَعْلَيْنِ أَوْ طَرَفِ ثَوْبٍ أَوْ رِدَاءٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ ضَرْبًا يُحِيطُ الْعِلْمُ أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْحَقُّ قَتَلَهُ، وَإِنْ ضَرَبَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بِالنِّعَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ فَفَزِعَتْ فَأَجْهَضَتْ ذَا بَطْنَهَا فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَدِيَهُ فَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا فَقَالَ عُمَرُ؛ عَزَمْت عَلَيْك لَتَقْسِمَنَّهَا عَلَى قَوْمِك. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا غَلَطٌ فِي قَوْلِهِ: إذَا ضَرَبَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ فَلَمْ يَمُتْ مِنْ الزِّيَادَةِ وَحْدَهَا وَإِنَّمَا مَاتَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا فَكَيْفَ تَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْإِمَامِ كُلُّهَا وَإِنَّمَا مَاتَ الْمَضْرُوبُ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لَوْ ضَرَبَ الْإِمَامُ رَجُلاً فِي الْقَذْفِ إحْدَى وَثَمَانِينَ فَمَاتَ إنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ. وَالْآخَرُ: أَنَّ عَلَيْهِ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ جُزْءًا مِنْ الدِّيَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ جَرَحَ رَجُلاً جُرْحًا فَخَاطَهُ الْمَجْرُوحُ فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ خَاطَهُ فِي لَحْمٍ حَيٍّ فَعَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ وَالْجُرْحِ الَّذِي أَحْدَثَهُ فِي نَفْسِهِ- فَكُلُّ هَذَا يَدُلُّك إذَا مَاتَ الْمَضْرُوبُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ أَنَّهُ بِهِمَا مَاتَ فَلاَ تَكُونُ الدِّيَةُ كُلُّهَا عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ بِالزِّيَادَةِ وَحْدَهَا حَتَّى كَانَ مَعَهَا مُبَاحٌ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ فِيمَنْ جَرَحَ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا آخَرَ فَمَاتَ أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْمَضْرُوبُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنْ مُبَاحٍ وَغَيْرِ مُبَاحٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ضَرَبَ امْرَأَةً حَدًّا فَأُجْهِضَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَضَمِنَ مَا فِي بَطْنِهَا؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَلَوْ حَدَّهُ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أَوْ غَيْرِ عَدْلَيْنِ فِي أَنْفُسِهِمَا فَمَاتَ ضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ. وَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ لِلْجَالِدِ: إنَّمَا أَضْرِبُ هَذَا ظُلْمًا ضَمِنَ الْجَالِدُ وَالْإِمَامُ مَعًا، وَلَوْ قَالَ الْجَالِدُ: قَدْ ضَرَبْتُهُ وَأَنَا أَرَى الْإِمَامَ مُخْطِئًا وَعَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ رَأْيُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ضَمِنَ إلَّا مَا غَابَ عَنْهُ بِسَبَبِ ضَرْبِهِ، وَلَوْ قَالَ: اضْرِبْهُ ثَمَانِينَ فَزَادَ سَوْطًا فَمَاتَ فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، كَمَا لَوْ جَنَى رَجُلاَنِ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا بِضَرْبَةٍ وَالْآخَرُ بِثَمَانِينَ ضَمِنَا الدِّيَةَ نِصْفَيْنِ أَوْ سَهْمًا مِنْ وَاحِدٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا. قَالَ وَإِذَا خَافَ رَجُلٌ نُشُوزَ امْرَأَتِهِ فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ فَالْعَقْلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إبَاحَةٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَوْ عَزَّرَ الْإِمَامُ رَجُلاً فَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ. قَالَ وَإِذَا كَانَتْ بِرَجُلٍ سِلْعَةٌ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَطْعِهَا أَوْ أَكَلَةٌ فَأَمَرَ بِقَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ فَمَاتَ فَعَلَى السُّلْطَانِ الْقَوَدُ فِي الْمُكْرَهِ وَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الَّذِي لاَ يَقْتُلُ، وَقِيلَ: لاَ قَوَدَ عَلَيْهِ فِي الَّذِي لاَ يَقْتُلُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ السُّلْطَانِ يَفْعَلُ هَذَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ أَغْلَفُ أَوْ امْرَأَةٌ لَمْ تَخْفِضْ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ فَعُزِّرَا فَمَاتَا لَمْ يَضْمَنْ السُّلْطَانُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلاَ إلَّا أَنْ يُعَزِّرَهُمَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يَسْلَمُ مِنْ عُذْرٍ فِي مِثْلِهِ فَيَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله يُضْرَبُ الْمَحْدُودُ بِسَوْطٍ بَيْنَ السَّوْطَيْنِ لاَ جَدِيدٍ وَلاَ خَلِقٍ وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ قَائِمًا وَتُتْرَكُ لَهُ يَدُهُ يَتَّقِي بِهَا وَلاَ يُرْبَطُ، وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَتُضَمُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا وَتُرْبَطُ لِئَلَّا تَنْكَشِفَ وَيَلِي ذَلِكَ مِنْهَا امْرَأَةٌ وَلاَ يَبْلُغُ فِي الْحَدِّ أَنْ يُنْهَرَ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالْحَدِّ النَّكَالُ أَوْ الْكَفَّارَةُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَيَتَّقِي الْجَلَّادُ الْوَجْهَ وَالْفَرْجَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ يُبْلَغُ بِعُقُوبَةٍ أَرْبَعِينَ تَقْصِيرًا عَنْ مُسَاوَاةِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حُدُودِهِ وَلاَ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ.
مِنْ كِتَابِ قَتْلِ الْخَطَأِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا أَسْلَمَ الْقَوْمُ ثُمَّ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلاَمِ إلَى أَيِّ كُفْرٍ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ وَهُمْ مَقْهُورُونَ أَوْ قَاهِرُونَ فِي مَوْضِعِهِمْ الَّذِي ارْتَدُّوا فِيهِ، فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبْدَءُوا بِجِهَادِهِمْ قَبْلَ جِهَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا قَطُّ فَإِذَا ظَفِرُوا بِهِمْ اسْتَتَابُوهُمْ فَمَنْ تَابَ حُقِنَ دَمُهُ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَمَا أَصَابَ أَهْلُ الرِّدَّةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ وَبَعْدَ إظْهَارِ التَّوْبَةِ فِي قِتَالٍ وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ أَوْ غَيْرِ قِتَالٍ أَوْ عَلَى نَائِرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِمْ كَالْحُكْمِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لاَ يَخْتَلِفُ فِي الْقَوَدِ وَالْعَقْلِ وَضَمَانِ مَا يُصِيبُونَ. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِ فِي بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: فَمَا صَنَعَ أَبُو بَكْرٍ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ؟ قِيلَ قَالَ لِقَوْمٍ جَاءُوهُ تَائِبِينَ تَدُونُ قَتْلاَنَا وَلاَ نَدِي قَتْلاَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ: لاَ نَأْخُذُ لِقَتْلاَنَا دِيَةً، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا قَوْلُهُ: تَدُونُ؟ قِيلَ: إنْ كَانُوا يُصِيبُونَ غَيْرَ مُتَعَمِّدِينَ وَدَوْا وَإِذَا ضَمِنُوا الدِّيَةَ فِي قَتْلِ غَيْرِ عَمْدٍ كَانَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فِي قَتْلِهِمْ مُتَعَمِّدِينَ وَهَذَا خِلاَفُ حُكْمِ أَهْلِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَإِنْ قِيلَ: فَلاَ نَعْلَمُ مِنْهُمْ أَحَدًا أُقِيدَ بِأَحَدٍ قِيلَ: وَلاَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ قَتْلُ أَحَدٍ بِشَهَادَةٍ وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ نَعْلَمْ حَاكِمًا أَبْطَلَ لِوَلِيٍّ دَمًا طَلَبَهُ وَالرِّدَّةُ لاَ تَدْفَعُ عَنْهُمْ قَوَدًا وَلاَ عَقْلاً وَلاَ تَزِيدُهُمْ خَيْرًا إنْ لَمْ تَزِدْهُمْ شَرًّا. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا عِنْدِي أَقْيَسُ مِنْ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ يُطْرَحُ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الرِّدَّةِ أَنْ نَرُدَّهُمْ إلَى حُكْمِ الْإِسْلاَمِ وَلاَ يُرَقُّونَ وَلاَ يُغْنَمُونَ كَأَهْلِ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ يُقَادُ مِنْهُمْ وَيَضْمَنُونَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا قَامَتْ لِمُرْتَدٍّ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَظْهَرَ الْقَوْلَ بِالْإِيمَانِ ثُمَّ قَتَلَهُ رَجُلٌ يَعْلَمُ تَوْبَتَهُ أَوْ لاَ يَعْلَمُهَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: إذَا طَلَبَ الْفَحْلُ رَجُلاً وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمٌ، كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا بِضَرْبِهِ فَقَتَلَهُ بِالضَّرْبِ أَنَّهُ هَدْرٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ} فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يَجُوزُ لَهُ كَانَ الْأَقَلُّ أَسْقَطَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ عَضَّ يَدَهُ رَجُلٌ فَانْتَزَعَ يَدَهُ فَنَدَرَتْ ثَنِيَّتَا الْعَاضِّ كَانَ ذَلِكَ هَدْرًا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {أَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيك تَقْضِمُهَا كَأَنَّهَا فِي فِي فَحْلٍ} وَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ. قَالَ وَلَوْ عَضَّهُ كَانَ لَهُ فَكُّ لَحْيَيْهِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، فَإِنْ عَضَّ قَفَاهُ فَلَمْ تَنَلْهُ يَدَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ رَأْسَهُ مِنْ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلَهُ التَّحَامُلُ عَلَيْهِ بِرَأْسِهِ إلَى وَرَائِهِ وَمُصَعِّدًا وَمُنْحَدِرًا وَإِنْ غَلَبَهُ ضَبْطًا بِفِيهِ كَانَ لَهُ ضَرْبُ فِيهِ بِيَدِهِ حَتَّى يُرْسِلَهُ فَإِنْ بَعَجَ بَطْنَهُ بِسِكِّينٍ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ بِيَدِهِ أَوْ ضَرَبَهُ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ ضَمِنَ وَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَارِيَةٌ كَانَتْ تَحْتَطِبُ فَاتَّبَعَهَا رَجُلٌ فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَرَمَتْهُ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرٍ فَقَتَلَتْهُ فَقَالَ عُمَرُ هَذَا قَتِيلُ اللَّهِ وَاَللَّهُ لاَ يُودَى أَبَدًا. قَالَ وَلَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلاً فَقَالَ: وَجَدْته عَلَى امْرَأَتِي فَقَدْ أَقَرَّ بِالْقَوَدِ وَادَّعَى فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً قُتِلَ {قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ وَجَدْتَ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام نَعَمْ} وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلْيُعْطَ بِرُمَّتِهِ. قَالَ وَلَوْ تَطَلَّعَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ نَقْبٍ فَطَعَنَهُ بِعُودٍ أَوْ رَمَاهُ بِحَصَاةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ فَهِيَ هَدْرٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ {النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إلَى رَجُلٍ يَنْظُرُ إلَى بَيْتِهِ مِنْ حَجَرٍ وَبِيَدِهِ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَنْظُرُ لِي أَوْ تَنْظُرُنِي لَطَعَنْت بِهِ فِي عَيْنِك إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ}. وَلَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ ضَرْبُهُ وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله الَّذِي عُضَّ رَأْسُهُ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ الْعَاضِّ أَوْلَى بِضَرْبِهِ وَدَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ {أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى عليه السلام أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَمَا أَفْسَدَتْ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَهَائِمِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا أَفْسَدَتْ مِنْ الزَّرْعِ بِاللَّيْلِ ضَمِنَهُ أَهْلُهَا وَمَا أَفْسَدَتْ بِالنَّهَارِ لَمْ يَضْمَنُوهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنْ كَانَ الرَّجُلُ رَاكِبًا فَمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ فِيهَا أَوْ ذَنَبِهَا مِنْ نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مَنْعَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنْ كُلِّ مَا أَتْلَفَتْ بِهِ أَحَدًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ الْمَقْطُورَةُ بِالْبَعِيرِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَائِدٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ يَسُوقُهَا وَلاَ يَجُوزُ إلَّا ضَمَانُ مَا أَصَابَتْ الدَّابَّةُ تَحْتَ الرِّجْلِ وَلاَ يَضْمَنُ إلَّا مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ فَوَطِئَتْهُ فَأَمَّا مَنْ ضَمِنَ عَنْ يَدِهَا وَلَمْ يَضْمَنْ عَنْ رِجْلِهَا فَهَذَا تَحَكُّمٌ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّ الرِّجْلَ جُبَارٌ فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْحُفَّاظَ لَمْ يَحْفَظُوهُ هَكَذَا. قَالَ وَلَوْ أَنَّهُ أَوْقَفَهَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِفَهَا فِيهِ ضَمِنَ وَلَوْ وَقَفَهَا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ جَعَلَ فِي دَارِهِ كَلْبًا عَقُورًا أَوْ حِبَالَةً فَدَخَلَ إنْسَانٌ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَسَوَاءٌ عِنْدِي أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ.
مِنْ خَمْسَةِ كُتُبٍ الْجِزْيَةِ، وَالْحُكْمِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِمْلاَءٍ عَلَى كِتَابِ الْوَاقِدِيِّ وَإِمْلاَءٍ عَلَى غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَإِمْلاَءٍ عَلَى كِتَابِ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَصْلُ فَرْضِ الْجِهَادِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله لَمَّا مَضَتْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُدَّةٌ مِنْ هِجْرَتِهِ أَنْعَمَ اللَّهُ فِيهَا عَلَى جَمَاعَاتٍ بِاتِّبَاعِهِ حَدَثَتْ لَهَا مَعَ عَوْنِ اللَّهِ قُوَّةٌ بِالْعَدَدِ لَمْ تَكُنْ قَبْلَهَا فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجِهَادَ فَقَالَ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} مَعَ مَا ذَكَرْته فُرِضَ الْجِهَادُ وَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَفْرِضْ الْجِهَادَ عَلَى مَمْلُوكٍ وَلاَ أُنْثَى وَلاَ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فَحَكَمَ أَنْ لاَ مَالَ لِلْمَمْلُوكِ وَقَالَ {حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ الذُّكُورُ {وَعُرِضَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُ} وَحَضَرَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوِهِ عَبِيدٌ وَنِسَاءٌ غَيْرُ بَالِغِينَ فَرَضَخَ لَهُمْ وَأَسْهَمَ لِضُعَفَاءَ أَحْرَارٍ وَجَرْحَى بَالِغِينَ فَدَلَّ أَنَّ السُّهْمَانَ إنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ فَدَلَّ بِذَلِكَ أَنْ لاَ فَرْضَ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الْجِهَادِ.
مِنْ كِتَابِ الْجِزْيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى} الآيَةَ. وَقَالَ {إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك وَهُمْ أَغْنِيَاءُ} وَقَالَ {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} فَقِيلَ: الْأَعْرَجُ الْمُقْعَدُ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ عَرَجُ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي وَضْعِ الْجِهَادِ عَنْهُمْ. قَالَ وَلاَ يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ سَالِمَ الْبَدَنِ قَوِيَّهُ لاَ يَجِدُ أُهْبَةَ الْخُرُوجِ وَنَفَقَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَى قَدْرِ مَا يَرَى لِمُدَّتِهِ فِي غَزْوِهِ فَهُوَ مِمَّنْ لاَ يَجِدُ مَا يُنْفِقُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالْخُرُوجِ وَيَدَعَ الْفَرْضَ وَلاَ يُجَاهِدُ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِ الدَّيْنِ وَبِإِذْنِ أَبَوَيْهِ لِشَفَقَتِهِمَا وَرِقَّتِهِمَا عَلَيْهِ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَإِنْ كَانَا عَلَى غَيْرِ دِينِهِ، فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ أَهْلَ دِينِهِمَا فَلاَ طَاعَةَ لَهُمَا عَلَيْهِ قَدْ جَاهَدَ ابْنُ عُتْبَةَ بْنُ رَبِيعَةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَسْت أَشُكُّ فِي كَرَاهِيَةِ أَبِيهِ لِجِهَادِهِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَاهَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُوهُ مُتَخَلِّفٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأُحُدٍ يُخَذِّلُ مَنْ أَطَاعَهُ. قَالَ وَمَنْ غَزَا مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ أَوْ حَدَثَ لَهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ عُذْرٌ كَانَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَلْتَقِ الزَّحْفَانِ أَوْ يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ يَخَافُ إنْ رَجَعَ أَنْ يُتْلَفَ. قَالَ وَيَتَوَقَّى فِي الْحَرْبِ قَتْلَ أَبِيهِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ بِجُعْلٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ وَيَرُدُّهُ إنْ غَزَا بِهِ وَإِنَّمَا أُجْرَتُهُ مِنْ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ يَغْزُو بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ. قَالَ وَمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ تَخْذِيلٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْجَافٌ بِهِمْ أَوْ عَوْنٌ عَلَيْهِمْ مَنَعَهُ الْإِمَامُ الْغَزْوَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ وَإِنْ غَزَا لَمْ يُسْهِمْ لَهُ. وَوَاسِعٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُشْرِكِ أَنْ يَغْزُوَ مَعَهُ إذَا كَانَتْ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ مَنْفَعَةٌ وَقَدْ غَزَا عليه السلام بِيَهُودِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعِ بَعْدَ بَدْرٍ وَشَهِدَ مَعَهُ صَفْوَانُ حُنَيْنًا بَعْدَ الْفَتْحِ وَصَفْوَانُ مُشْرِكٌ. قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يُعْطَى الْمُشْرِكُ مِنْ الْفَيْءِ شَيْئًا وَيُسْتَأْجَرَ إجَارَةً مِنْ مَالٍ لاَ مَالِكَ لَهُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ سَهْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ بِقِتَالِ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْكُفَّارِ وَبِالْأَخْوَفِ، فَإِنْ كَانَ الْأَبْعَدُ الْأَخْوَفَ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ عَلَى مَعْنَى الضَّرُورَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا مَا لاَ يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، وَأَقَلُّ مَا عَلَى الْإِمَامِ أَنْ لاَ يَأْتِيَ عَامٌ إلَّا وَلَهُ فِيهِ غَزْوٌ بِنَفْسِهِ أَوْ بِسَرَايَاهُ عَلَى حُسْنِ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى لاَ يَكُونَ الْجِهَادُ مُعَطَّلاً فِي عَامٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَيُغْزِي أَهْلُ الْفَيْءِ كُلَّ قَوْمٍ إلَى مَنْ يَلِيهِمْ.
مِنْ كِتَابِ الْجِزْيَةِ وَالرِّسَالَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وَقَالَ {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} إلَى قَوْلِهِ {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} فَلَمَّا وَعَدَ الْقَاعِدِينَ الْحُسْنَى دَلَّ أَنَّ فَرْضَ النَّفِيرِ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِالنَّفِيرِ كِفَايَةٌ حُرِّجَ مَنْ تَخَلَّفَ وَاسْتَوْجَبُوا مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ كِفَايَةٌ حَتَّى لاَ يَكُونَ النَّفِيرُ مُعَطَّلاً لَمْ يَأْثَمْ مَنْ تَخَلَّفَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ جَمِيعَهُمْ الْحُسْنَى، وَكَذَلِكَ رَدُّ السَّلاَمِ وَدَفْنُ الْمَوْتَى وَالْقِيَامُ بِالْعِلْمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِذَا قَامَ بِذَلِكَ مَنْ فِيهِ الْكِفَايَةُ لَمْ يُحَرَّجْ الْبَاقُونَ وَإِلَّا حُرِّجُوا أَجْمَعُونَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْحُكْمُ فِي الْمُشْرِكِينَ حُكْمَانِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهْلَ أَوْثَانٍ أَوْ مَنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَقُوتِلُوا حَتَّى يُقْتَلُوا أَوْ يُسْلِمُوا لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ} وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهْلَ كِتَابٍ قُوتِلُوا حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَإِنْ لَمْ يُعْطُوا قُوتِلُوا وَقُتِلُوا وَسُبِيَتْ ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَدِيَارُهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَيْئًا بَعْدَ السَّلَبِ لِلْقَاتِلِ فِي الْأَنْفَالِ قَالَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفَّلَ أَبَا قَتَادَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ سَلَبَ قَتِيلِهِ وَمَا نَفَّلَهُ إيَّاهُ إلَّا بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَنَفَّلَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَلَبَ مَرْحَبٍ يَوْمَ خَيْبَرَ وَنَفَّلَ يَوْمَ بَدْرٍ عَدَدًا وَيَوْمَ أُحُدٍ رَجُلاً أَوْ رَجُلَيْنِ أَسْلاَبَ قَتْلاَهُمْ وَمَا عَلِمْته صلى الله عليه وسلم حَضَرَ مَحْضَرًا قَطُّ فَقَتَلَ رَجُلٌ قَتِيلاً فِي الْأَقْتَالِ إلَّا نَفَّلَهُ سَلَبَهُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما. قَالَ ثُمَّ يُرْفَعُ بَعْدَ السَّلَبِ خُمُسُهُ لِأَهْلِهِ وَتُقْسَمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ دُونَ مَنْ بَعْدَهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما قَالاَ " الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ". قَالَ وَيُسْهَمُ لِلْبِرْذَوْنِ كَمَا يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمٌ وَلاَ يُعْطَى إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَيُرْضَخُ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُشْرِكِ إذَا قَاتَلَ وَلِمَنْ اُسْتُعِينَ بِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَيُسْهَمُ لِلتَّاجِرِ إذَا قَاتَلَ وَتُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ غَنِمَهَا وَهِيَ دَارُ حَرْبِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَحُنَيْنٍ. وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَقَوْلُهُ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَلَمْ يَشْهَدَا بَدْرًا فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُعْطِي أَحَدًا لَمْ يَشْهَدْ الْوَقْعَةَ وَلَمْ يَقْدُمْ مَدَدًا عَلَيْهِمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا قَسَمَ عليه السلام غَنَائِمَ بَدْرٍ إلَّا بِسَيْرِ شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الصَّفْرَاءِ قَرِيبٍ مِنْ بَدْرٍ فَلَمَّا تَشَاحَّ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَنِيمَتِهَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَهِيَ لَهُ تَفَضُّلاً وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ ثَمَانِيَةَ نَفَرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} بَعْدَ بَدْرٍ وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدْ الْوَقْعَةَ بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ وَمَنْ أَعْطَى مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ وَغَيْرِهِمْ فَمِنْ مَالِهِ أَعْطَاهُمْ لاَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ. وَأَمَّا مَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ وَقْعَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ وَلِذَلِكَ كَانَتْ وَقْعَتُهُمْ فِي آخِرِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَتَوَقَّفُوا فِيمَا صَنَعُوا حَتَّى نَزَلَتْ {يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} وَلَيْسَ مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْأَوْزَاعِيُّ فِي شَيْءٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ صَيَّرَهُ إلَى الْإِمَامِ وَمَا كَانَ مِنْ كُتُبِهِمْ فِيهِ طِبٌّ أَوْ مَا لاَ مَكْرُوهَ فِيهِ بِيعَ وَمَا كَانَ فِيهِ شِرْكٌ أُبْطِلَ وَانْتُفِعَ بِأَوْعِيَتِهِ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ مُبَاحًا فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ صَيْدٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَمَنْ أَسَرَ مِنْهُمْ فَإِنْ أَشْكَلَ بُلُوغُهُمْ فَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ طِفْلٍ وَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ بَالِغٌ وَالْإِمَامُ فِي الْبَالِغِينَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ بِلاَ قَطْعِ يَدٍ وَلاَ عُضْوٍ أَوْ يُسْلِمَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَيُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَوْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ يُفَادِيَهُمْ بِمَالٍ أَوْ بِأَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَسْتَرِقَّهُمْ فَإِنْ اسْتَرَقَّهُمْ أَوْ أَخَذَ مِنْهُمْ مَالاً فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْغَنِيمَةِ أَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ بَدْرٍ فَقَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَمَنَّ عَلَى أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ عَلَى أَنْ لاَ يُقَاتِلَهُ فَأَخْفَرَهُ وَقَاتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَدَعَا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَفْلِتَ فَمَا أُسِرَ غَيْرُهُ ثُمَّ أُسِرَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيُّ فَمَنَّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلاَمُهُ وَفَدَى النَّبِيُّ عليه السلام رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْأَسْرِ رُقُّوا وَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَسْرِ فَهُمْ أَحْرَارٌ وَإِذَا الْتَقَوْا وَالْعَدُوُّ فَلاَ يُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ وَمَنْ فَرَّ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ فَرَّ ". قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا عَلَى مَعْنَى التَّنْزِيلِ فَإِذَا فَرَّ الْوَاحِدُ مِنْ الِاثْنَيْنِ فَأَقَلَّ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ بِحَضْرَتِهِ أَوْ مُبِينَةٍ عَنْهُ فَسَوَاءٌ وَنِيَّتُهُ فِي التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ لِيَعُودَ لِلْقِتَالِ الْمُسْتَثْنَى الْمُخْرِجِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ فَإِنْ كَانَ هَرَبُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى خِفْت عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ. قَالَ وَنَصَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ مَنْجَنِيقًا أَوْ عَرَّادَةً وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ النِّسَاءَ وَالْوِلْدَانَ وَقَطَعَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَهَا وَشَنَّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ غَارِينَ وَأَمَرَ بِالْبَيَاتِ وَالتَّحْرِيقِ وَقَطَعَ بِخَيْبَرَ وَهِيَ بَعْدَ النَّضِيرِ وَبِالطَّائِفِ وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ عليه السلام لَقِيَ فِيهَا قِتَالاً فَبِهَذَا كُلِّهِ أَقُولُ وَمَا أُصِيبَ بِذَلِكَ مِنْ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فَلاَ بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ عَمْدٍ فَإِنْ كَانَ فِي دَارِهِمْ أُسَارَى مُسْلِمُونَ أَوْ مُسْتَأْمَنُونَ كَرِهْتُ النَّصْبَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَعُمُّ مِنْ التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ احْتِيَاطًا غَيْرَ مُحَرِّمٍ لَهُ تَحْرِيمًا بَيِّنًا وَذَلِكَ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ مُبَاحَةً فَلاَ يَبِينُ أَنْ يُحَرَّمَ بِأَنْ يَكُونَ فِيهَا مُسْلِمٌ يُحَرَّمُ دَمُهُ وَلَكِنْ لَوْ الْتَحَمُوا فَكَانَ يتكامن الْتِحَامُهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ رَأَيْت لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا وَكَانُوا مَأْجُورِينَ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الدَّفْعُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. وَالْآخَرُ: نِكَايَةُ عَدُوِّهِمْ. وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ مُلْتَحِمِينَ فَتَتَرَّسُوا بِأَطْفَالِهِمْ فَقَدْ قِيلَ: يُضْرَبُ الْمُتَتَرِّسُ مِنْهُمْ وَلاَ يُعْمَدُ الطِّفْلُ وَقَدْ قِيلَ: يَكُفُّ، وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمٍ رَأَيْت أَنْ يُكَفَّ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مُلْتَحِمِينَ فَيُضْرَبَ الْمُشْرِكُ وَيُتَوَقَّى الْمُسْلِمُ جَهْدَهُ فَإِنْ أَصَابَ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُسْلِمًا. قَالَ فِي كِتَابِ حُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: إنْ كَانَ عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَالدِّيَةُ مَعَ الرَّقَبَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِمُخْتَلِفٍ وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: إنْ كَانَ قَتَلَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الدَّمِ فَالدِّيَةُ مَعَ الرَّقَبَةِ، فَإِذَا ارْتَفَعَ الْعِلْمُ فَالرَّقَبَةُ دُونَ الدِّيَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ رَمَى فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَصَابَ مُسْتَأْمَنًا وَلَمْ يَقْصِدْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا رَقَبَةٌ، وَلَوْ كَانَ عَلِمَ بِمَكَانِهِ ثُمَّ رَمَاهُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ إلَى الرَّمْيِ فَعَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَدِيَةٌ. وَلَوْ أَدْرَكُونَا وَفِي أَيْدِينَا خَيْلُهُمْ أَوْ مَاشِيَتُهُمْ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلاَ عَقْرُهُ إلَّا أَنْ يَذْبَحَ لِمَأْكَلِهِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لِغَيْظِهِمْ بِقَتْلِهِمْ طَلَبْنَا غَيْظَهُمْ بِقَتْلِ أَطْفَالِهِمْ، وَلَكِنْ لَوْ قَاتَلُونَا عَلَى خَيْلِهِمْ فَوَجَدْنَا السَّبِيلَ إلَى قَتْلِهِمْ بِأَنْ نَعْقِرَ بِهِمْ فَعَلْنَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَهُمْ أَدَاةٌ لِقَتْلِنَا وَقَدْ عَقَرَ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ فانكسعت بِهِ فَرَسُهُ فَسَقَطَ عَنْهَا فَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ لِيَقْتُلَهُ فَرَآهُ ابْنُ شُعُوبٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَنْقَذَ أَبَا سُفْيَانَ مِنْ تَحْتِهِ. وَقَالَ فِي كِتَابِ حُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ: وَإِنَّمَا تَرَكْنَا قَتْلَ الرُّهْبَانِ اتِّبَاعًا لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَقَالَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَيُقْتَلُ الشُّيُوخُ وَالْأُجَرَاءُ وَالرُّهْبَانُ قُتِّلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ ابْنَ خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ فِي شِجَارٍ لاَ يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكِرْ قَتْلَهُ. قَالَ وَرُهْبَانُ الدِّيَاتِ وَالصَّوَامِعِ وَالْمَسَاكِنِ سَوَاءٌ وَلَوْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه خِلاَفُ هَذَا لاََشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ عَلَى قِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ وَلاَ يَتَشَاغَلُونَ بِالْمُقَامِ عَلَى الصَّوَامِعِ عَنْ الْحَرْبِ كَالْحُصُونِ لاَ يُشْغَلُونَ بِالْمُقَامِ بِهَا عَمَّا يَسْتَحِقُّ النِّكَايَةَ بِالْعَدُوِّ وَلَيْسَ أَنَّ قِتَالَ أَهْلِ الْحُصُونِ حَرَامٌ، وَكَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَلَعَلَّهُ لِأَنَّهُ قَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْطَعُ عَلَى بَنِي النَّضِيرِ وَحَضَرَهُ يَتْرُكُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَعَدَهُمْ بِفَتْحِ الشَّامِ فَتَرَكَ قَطْعَهُ لِتَبْقَى لَهُمْ مَنْفَعَتُهُ إذَا كَانَ وَاسِعًا لَهُمْ تَرْكُ قَطْعِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: هَذَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالْحَقِّ؛ لِأَنَّ كُفْرَ جَمِيعِهِمْ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ حِلُّ سَفْكِ دِمَائِهِمْ بِالْكُفْرِ فِي الْقِيَاسِ وَاحِدٌ، قَالَ: وَإِذَا أَمَّنَهُمْ مُسْلِمٌ حُرٌّ بَالِغٌ أَوْ عَبْدٌ يُقَاتِلُ أَوْ لاَ يُقَاتِلُ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْأَمَانُ جَائِزٌ قَالَ صلى الله عليه وسلم: {الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ} وَلَوْ خَرَجُوا إلَيْنَا بِأَمَانِ صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ كَانَ عَلَيْنَا رَدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ مَنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ لَهُمْ وَمَنْ لاَ يَجُوزُ، وَلَوْ أَنَّ عِلْجًا دَلَّ مُسْلِمِينَ عَلَى قَلْعَةٍ عَلَى أَنَّ لَهُ جَارِيَةً سَمَّاهَا فَلَمَّا انْتَهَوْا إلَيْهَا صَالَحَ صَاحِبُ الْقَلْعَةِ عَلَى أَنْ يَفْتَحَهَا لَهُمْ وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ فَفَعَلَ فَإِذَا أَهْلُهُ تِلْكَ الْجَارِيَةُ. فَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِلدَّلِيلِ: إنْ رَضِيت الْعِوَضَ عَوَّضْنَاك بِقِيمَتِهَا وَإِنْ أَبَيْت قِيلَ لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ: أَعْطَيْنَاك مَا صَالَحْنَا عَلَيْهِ غَيْرَك بِجَهَالَةٍ فَإِنْ سَلَّمَتْهَا عَوَّضْنَاك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ نَبَذْنَا إلَيْك وَقَاتَلْنَاك فَإِنْ كَانَتْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الظَّفَرِ أَوْ مَاتَتْ عُوِّضَ وَلاَ يَبِينُ ذَلِكَ فِي الْمَوْتِ كَمَا يَبِينُ إذَا أَسْلَمَتْ. وَإِنْ غَزَتْ طَائِفَةٌ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ كَرِهْتُهُ لِمَا فِي إذْنِ الْإِمَامِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِغَزْوِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ وَيَأْتِيهِ الْخَبَرُ عَنْهُمْ فَيُعِينُهُمْ حَيْثُ يُخَافُ هَلاَكُهُمْ فَيُقْتَلُونَ ضِيعَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ أَعْلَمُ ذَلِكَ يُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إنْ قُتِلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا؟ قَالَ فَلَكَ الْجَنَّةُ قَالَ فَانْغَمَسَ فِي الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَى رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ دِرْعًا كَانَ عَلَيْهِ حِينَ ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْجَنَّةَ ثُمَّ انْغَمَسَ فِي الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم} قَالَ فَإِذَا حَلَّ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى مَا الْأَغْلَبُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ كَانَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا فِي الِانْفِرَادِ مِنْ الرَّجُلِ وَالرِّجَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ. وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَرَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ سَرِيَّةً وَحْدَهُمَا وَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ سَرِيَّةً وَحْدَهُ فَإِذَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَسَرَّى وَاحِدٌ لِيُصِيبَ غِرَّةً وَيَسْلَمَ بِالْحِيلَةِ أَوْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةٌ. قَالَ وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ حَضَرَ الْغَنِيمَةَ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ لِلْحُرِّ سَهْمًا وَيُرْضَخُ لِلْعَبْدِ. وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَفِي أَهْلِهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِنْ كَانَ أَخُوهُ أَوْ امْرَأَتُهُ قُطِعَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَفِي كِتَابِ السَّرِقَةِ إنْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يُقْطَعْ. قَالَ: وَمَا اُفْتُتِحَ مِنْ أَرْضٍ مَوَاتٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَمَا فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَزِمَهُمْ حُكْمُهُ حَيْثُ كَانُوا إذَا جُعِلَ ذَلِكَ لِإِمَامِهِمْ لاَ تَضَعُ الدَّارُ عَنْهُمْ حَدَّ اللَّهِ وَلاَ حَقًّا لِمُسْلِمٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَيُؤَخَّرُ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرْجِعُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ قَالَ: وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَّا أَنْ يَكُون خَلَّفَ الَّذِينَ يُقَاتَلُونَ أُمَّةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ خَلْفَ التَّرْكِ وَالْخَزَرِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَلاَ يُقَاتَلُونَ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الْإِيمَانِ فَإِنْ قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَى مَنْ قَتَلَهُ الدِّيَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله لاَ يَمْلِكُ الْمُشْرِكُونَ مَا أَحْرَزُوهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ أَبَاحَ اللَّهُ لِأَهْلِ دِينِهِ مِلْكَ أَحْرَارِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلاَ يُسَاوُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا قَدْ أَحْرَزُوا نَاقَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَحْرَزَتْهَا مِنْهُمْ الْأَنْصَارِيَّةُ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام شَيْئًا وَجَعَلَهَا عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ فِيهَا، وَأَبَقَ لِابْنِ عُمَرَ عَبْدٌ وَعَازَ لَهُ فَرَسٌ فَأَحْرَزَهُمَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَحْرَزَهُمَا عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّا عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه: مَالِكُهُ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إذَا أَحْرَزُوا عَبْدًا لِمُسْلِمٍ فَأَدْرَكَهُ وَقَدْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَسْمِ أَنَّهُ لِمَالِكِهِ بِلاَ قِيمَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ مَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ بِقَوْلِنَا وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ صَارَ فِي سَهْمِهِ مِثْلَ سَهْمِهِ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ وَهُوَ سَهْمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ، وَقَالَ غَيْرُنَا: هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءَ وَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالَ مُسْلِمٍ فَلاَ يُغْنَمَ أَوْ مَالَ مُشْرِكٍ فَيُغْنَمَ فَلاَ يَكُونُ لِرَبِّهِ فِيهِ حَقٌّ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ الْحُرَّ وَلاَ الْمُكَاتَبَ وَلاَ أُمَّ الْوَلَدِ وَلاَ الْمُدَبَّرَ وَيَمْلِكُونَ مَا سِوَاهُمْ فَإِنَّمَا يَتَحَكَّمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَوْدَعَ وَبَاعَ وَتَرَكَ مَالاً ثُمَّ قُتِلَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَجَمِيعُ مَالِهِ مَغْنُومٌ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مَرْدُودٌ إلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا عِنْدِي أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَيًّا لاَ يُغْنَمُ مَالُهُ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ فَوَارِثُهُ فِيهِ بِمَثَابَتِهِ، قَالَ: وَمَنْ خَرَجَ إلَيْنَا مِنْهُمْ مُسْلِمًا أُحْرِزَ مَالُهُ وَصِغَارُ وَلَدِهِ حَصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَسْلَمَ ابْنَا شُعْبَةَ فَأَحْرَزَ لَهُمَا إسْلاَمُهُمَا أَمْوَالَهُمَا وَأَوْلاَدَهُمَا الصِّغَارَ وَسَوَاءٌ الْأَرْضُ وَغَيْرُهَا. وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ دَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ غَيْرَهَا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ الْأَرْضُ وَالدَّارُ فَيْءٌ وَالرَّقِيقُ وَالْمَتَاعُ لِلْمُشْتَرِي، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ عَنْوَةً فَخَلَّى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَرَاضِيهِمْ وَدِيَارِهِمْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِأَنَّهُ عَفَا عَنْهُمْ وَدَخَلَهَا عَنْوَةً وَلَيْسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا كَغَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْوَةً وَمَا دَخَلَهَا إلَّا صُلْحًا، وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا وَأَذِنَ فِي قَتْلِهِمْ بَنُو نُفَاثَةَ قَتَلَةُ خُزَاعَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ بِمَكَّةَ دَارٌ إنَّمَا هَرَبُوا إلَيْهَا وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ دَفَعَ فَادَّعَوْا أَنَّ خَالِدًا بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ وَلَمْ يُنْفِذْ لَهُمْ الْأَمَانَ وَادَّعَى خَالِدٌ أَنَّهُمْ بَدَءُوهُ ثُمَّ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ صَارَ إلَى قَبُولِ الْأَمَانِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ {مَنْ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ} فَمَالُ مَنْ يُغْنَمُ وَلاَ يُقْتَدَى إلَّا بِمَا صَنَعَ عليه الصلاة والسلام، وَمَا كَانَ لَهُ خَاصَّةً فَمُبَيَّنٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَيْفَ يَجُوزُ قَوْلُهُمَا بِجَعْلِ بَعْضِ مَالِ الْمُسْلِمِ فَيْئًا وَبَعْضِهِ غَيْرَ فَيْءٍ أَمْ كَيْفَ يُغْنَمُ مَالُ مُسْلِمٍ بِحَالٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله قَدْ أَحْسَنَ- وَاَللَّهِ- الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا وَجَوَّدَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله إنْ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ مِنْ الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقَسْمِ فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا يُؤَدِّيهِ فِي الْمَغْنَمِ وَيُنْهَى إنْ جَهِلَ وَيُعَزَّرُ إنْ عَلِمَ وَلاَ حَدَّ لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا شَيْئًا قَالَ: وَإِنْ أَحْصَوْا الْمَغْنَمَ فَعَلِمَ كَمْ حَقُّهُ فِيهَا مَعَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْمَغْنَمِ سَقَطَ عَنْهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْهَا، وَإِنْ حَمَلَتْ فَهَكَذَا وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ وَكَانَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّبْيِ ابْنٌ وَأَبٌ لِرَجُلٍ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْسِمَهُ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مَنْ اجْتَلَبَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ، وَهُوَ لَوْ تَرَكَ حَقَّهُ مِنْ مَغْنَمِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْسَمَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ ابْنُهُ فَلَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ كَانَتْ الْأَمَةُ تَحْمِلُ مِنْهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ أَبْعَدُ قَالَ: وَمَنْ سُبِيَ مِنْهُمْ مِنْ الْحَرَائِرِ فَقَدْ رُقَّتْ وَبَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَانَ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِسَاءَ أَوْطَاسٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَرِجَالَهُمْ جَمِيعًا فَقَسَمَ السَّبْيَ وَأَمَرَ أَنْ لاَ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلاَ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلاَ غَيْرِهَا وَلَيْسَ قَطْعُ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ بِأَكْثَرَ مِنْ اسْتِبَائِهِنَّ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ سَبْعَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ وَهُوَ عِنْدَنَا اسْتِغْنَاءُ الْوَلَدِ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ فَأَمَّا الْأَخَوَانِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا نَبِيعُ أَوْلاَدَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ مَوْتِ أُمَّهَاتِهِمْ إلَّا أَنْ يَبْلُغُوا فَيَصِفُوا الْإِسْلاَمَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَمِنْ قَوْلِهِ: إذَا سُبِيَ الطِّفْلُ وَلَيْسَ مَعَهُ أَبَوَاهُ وَلاَ أَحَدُهُمَا إنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِذَا سُبِيَ وَمَعَهُ أَحَدُهُمَا فَعَلَى دِينِهِمَا فَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ سَبْيُ الْأَطْفَالِ مَعَ أُمَّهَاتِهِمْ فَيَثْبُتُ فِي الْإِسْلاَمِ حُكْمُ أُمَّهَاتِهِمْ وَلاَ يُوجِبُ إسْلاَمُهُمْ مَوْتَ أُمَّهَاتِهِمْ. قَالَ وَمَنْ أُعْتِقَ مِنْهُمْ فَلاَ يُوَرَّثُ كَمِثْلِ أَنْ لاَ تَقُومَ بِنَسَبِهِ بَيِّنَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ بَأْسَ بِالْمُبَارَزَةِ وَقَدْ بَارَزَ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِإِذْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَارَزَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ مَرْحَبًا يَوْمَ خَيْبَرَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَارَزَ يَوْمَئِذٍ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ يَاسِرًا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَإِذَا بَارَزَ مُسْلِمٌ مُشْرِكًا أَوْ مُشْرِكٌ مُسْلِمًا عَلَى أَنْ لاَ يُقَاتِلَهُ غَيْرُهُ وَفَّى بِذَلِكَ لَهُ فَإِنْ وَلَّى عَنْهُ الْمُسْلِمُ أَوْ جَرَحَهُ فَأَثْخَنَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا عَلَيْهِ وَيَقْتُلُوهُ؛ لِأَنَّ قِتَالَهُمَا قَدْ انْقَضَى وَلاَ أَمَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ أَنَّهُ آمِنٌ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَخْرَجِهِ مِنْ الصَّفِّ فَلاَ يَكُونَ لَهُمْ قَتْلُهُ وَلَهُمْ دَفْعُهُ وَاسْتِنْقَاذُ الْمُسْلِمِ مِنْهُ فَإِنْ امْتَنَعَ وَعَرَضَ دُونَهُ لِيُقَاتِلَهُمْ قَاتَلُوهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ أَمَانَ نَفْسِهِ أَعَانَ حَمْزَةُ عَلِيًّا عَلَى عُتْبَةَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عُبَيْدَةَ قِتَالٌ وَلَمْ يَكُنْ لِعُتْبَةَ أَمَانٌ يَكُفُّونَ بِهِ عَنْهُ، وَلَوْ أَعَانَ الْمُشْرِكُونَ صَاحِبَهُمْ كَانَ حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوا صَاحِبَهُمْ وَيَقْتُلُوا مَنْ أَعَانَ عَلَيْهِ وَلاَ يَقْتُلُونَ الْمُبَارِزَ مَا لَمْ يَكُنْ اسْتَنْجَدَهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلاَ أَعْرِفُ مَا أَقُولُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ إلَّا بِظَنٍّ مَقْرُونٍ إلَى عِلْمٍ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْت أَصَحَّ حَدِيثٍ يَرْوِيهِ الْكُوفِيُّونَ عِنْدَهُمْ فِي السَّوَادِ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ وَوَجَدْت أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ تُخَالِفُهُ مِنْهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ السَّوَادَ صُلْحٌ، وَيَقُولُونَ: إنَّ السَّوَادَ عَنْوَةٌ، وَيَقُولُونَ: بَعْضُ السَّوَادِ صُلْحٌ وَبَعْضُهُ عَنْوَةٌ، وَيَقُولُونَ: إنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ رَوَاهُ وَهَذَا أَثْبَتُ حَدِيثٍ عِنْدَهُمْ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كَانَتْ بِجَبْلَةَ رُبُعُ النَّاسِ فَقَسَمَ لَهُمْ رُبُعَ السَّوَادِ فَاسْتَغَلُّوهُ ثَلاَثَ أَوْ أَرْبَعَ سِنِينَ شَكَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ قَدِمْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَمَعِي فُلاَنَةُ بِنْتُ فُلاَنٍ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ قَدْ سَمَّاهَا وَلَمْ يَحْضُرْنِي ذِكْرُ اسْمِهَا، قَالَ عُمَرُ: لَوْلاَ أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَتَرَكْتُكُمْ عَلَى مَا قُسِمَ لَكُمْ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تَرُدُّوا عَلَى النَّاسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَانَ فِي حَدِيثِهِ وعاضني مِنْ حَقِّي فِيهِ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ دِينَارًا وَكَانَ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَتْ فُلاَنَةُ: قَدْ شَهِدَ أَبِي الْقَادِسِيَّةَ وَثَبَتَ سَهْمُهُ وَلاَ أُسْلِمُ حَتَّى تُعْطِيَنِي كَذَا وَكَذَا فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ- رحمه الله فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ إذْ أَعْطَى جَرِيرًا عِوَضًا مِنْ سَهْمِهِ وَالْمَرْأَةَ عِوَضًا مِنْ سَهْمِ أَبِيهَا عَلَى أَنَّهُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ الَّذِينَ أَوْجَفُوا عَلَيْهِ فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ مِنْهُ فَجَعَلَهُ وَقْفًا لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ {سَبَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَوَازِنَ وَقَسَمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ بَيْنَ الْمُوجِفِينَ ثُمَّ جَاءَتْهُ وُفُودُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ فَخَيَّرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالسَّبْيِ، فَقَالُوا: خَيَّرْتنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَأَمْوَالِنَا فَنَخْتَارُ أَحْسَابَنَا، فَتَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَقَّهُ وَحَقَّ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْمُهَاجِرُونَ فَتَرَكُوا لَهُ حُقُوقَهُمْ وَسَمِعَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ فَتَرَكُوا لَهُ حُقُوقَهُمْ، ثُمَّ بَقِيَ قَوْمٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَأَمَرَ فَعَرَّفَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ: ائْتُونِي بِطِيبِ أَنْفُسِ مَنْ بَقِيَ فَمَنْ كَرِهَ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْإِبِلِ إلَى وَقْتٍ ذَكَرَهُ قَالَ: فَجَاءُوهُ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُتَيْبَةَ بْنَ بَدْرٍ فَإِنَّهُمَا أَتَيَا لِيُعَيِّرَا هَوَازِنَ فَلَمْ يُكْرِهْهُمَا صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّاهُمَا تُرِكَا بَعْدُ بِأَنْ خَدَعَ عُتْبَةَ عَنْ حَقِّهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ عليه السلام حَقَّ مَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ} قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ بِعُمَرَ عِنْدَنَا فِي السَّوَادِ وَفُتُوحِهِ إنْ كَانَ عَنْوَةً لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَسْمٌ إلَّا عَنْ أَمْرِ عُمَرَ لِكِبَرِ قَدْرِهِ، وَلَوْ يَفُوتُ عَلَيْهِ مَا انْبَغَى أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ قَسْمُهُ ثَلاَثَ سِنِينَ وَلَوْ كَانَ الْقَسْمُ لَيْسَ لِمَنْ قُسِمَ لَهُ مَا كَانَ لَهُ مِنْهُ عِوَضٌ وَلَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا الْغَلَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ، وَهَكَذَا صَنَعَ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ لِمَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَالْخُمْسُ لِأَهْلِهِ فَمَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ فَجَائِزٌ لِلْإِمَامِ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْعَلَهَا وَقْفًا عَلَيْهِمْ تُقْسَمُ غَلَّتُهُ فِيهِمْ عَلَى أَهْلِ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَةِ وَحَيْثُ يَرَى الْإِمَامُ. وَمَنْ لَمْ يَطِبْ نَفْسًا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَالِهِ. وَأَيُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّ أَرْضَهَا لِأَهْلِهَا يُؤَدُّونَ فِيهَا خَرَاجًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَمَا أُخِذَ مِنْ خَرَاجِهَا فَهُوَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ دُونَ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ؛ لِأَنَّهُ فَيْءٌ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مُشْرِكٍ فَقَدْ مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ رَقَبَةَ الْأَرْضِ أَفَلَيْسَ بِحَرَامٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ صَاحِبُ صَدَقَةٍ وَلاَ صَاحِبُ فَيْءٍ وَلاَ غَنِيٌّ وَلاَ فَقِيرٌ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ يَأْخُذُهَا مَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَ الْمُسْلِمُ مِنْ أَرْضِ الصُّلْحِ كَمَا يَكْتَرِي دَوَابَّهُمْ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ وَلاَ لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنَّمَا هُوَ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَهَذَا كِرَاءٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَأَحْلَفَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ بِلاَدِهِمْ إلَّا أَنْ يُخَلُّوهُ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ لاَ يَسَعُهُ أَنْ يُقِيمَ وَيَمِينُهُ يَمِينُ مُكْرَهٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَمَّنُوهُ فَهُمْ فِي أَمَانٍ مِنْهُ، وَلَوْ حَلَفَ وَهُوَ مُطْلَقٌ كَفَّرَ وَلَوْ خَلَّوْهُ عَلَى فِدَاءٍ إلَى وَقْتٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَادَ إلَى أَسْرِهِمْ فَلاَ يَعُودُ وَلاَ يَدَعُهُ الْإِمَامُ أَنْ يَعُودَ، وَلَوْ امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إلَّا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهُمُوهُ فَلاَ يُعْطِيهِمْ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ عَلَى دَفْعِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَوْ أَعْطَاهُمُوهُ عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهُمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ إنَّمَا أُطْرِحَ عَنْهُ مَا اُسْتُكْرِهَ عَلَيْهِ. قَالَ وَإِذَا قَدِمَ لِيُقْتَلَ لَمْ يَجُزْ لَهُ مِنْ مَالِهِ إلَّا الثُّلُثُ.
مِنْ كِتَابِ الْجِزْيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} وَرُوِيَ مُسْنَدًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. قَالَ {وَلَمَّا أَتَى كِتَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى كِسْرَى مَزَّقَهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم يُمَزَّقُ مُلْكُهُ} قَالَ: وَحَفِظْنَا أَنَّ قَيْصَرَ أَكْرَمَ كِتَابَهُ وَوَضَعَهُ فِي مِسْكٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: يَثْبُتُ مُلْكُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَوَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ فَتْحَ فَارِسَ وَالشَّامِ فَأَغْزَى أَبُو بَكْرٍ الشَّامَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَتْحِهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَفَتَحَ بَعْضَهَا وَتَمَّ فَتْحُهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَفَتَحَ عُمَرُ رضي الله عنه الْعِرَاقَ وَفَارِسَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ دِينَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ بِأَنْ أَبَانَ لِكُلِّ مَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ وَمَا خَالَفَهُ مِنْ الْأَدْيَانِ فَبَاطِلٌ وَأَظْهَرَهُ بِأَنَّ جِمَاعَ الشِّرْكِ دِينَانِ دِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَدِينُ أُمِّيِّينَ فَقَهَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأُمِّيِّينَ حَتَّى دَانُوا بِالْإِسْلاَمِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَقَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَسَبَى حَتَّى دَانَ بَعْضُهُمْ بِالْإِسْلاَمِ وَأَعْطَى بَعْضٌ الْجِزْيَةَ صَاغِرِينَ وَجَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَهَذَا ظُهُورُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ قَالَ وَيُقَالُ وَيُظْهَرُ دِينُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ حَتَّى لاَ يُدَانَ لِلَّهِ إلَّا بِهِ وَذَلِكَ مَتَى شَاءَ اللَّهُ. قَالَ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْتَابُ الشَّامَ انْتِيَابًا كَثِيرًا وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ مَعَاشِهِمْ مِنْهُ وَتَأْتِي الْعِرَاقَ فَلَمَّا دَخَلَتْ فِي الْإِسْلاَمِ ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَوْفَهَا مِنْ انْقِطَاعِ مَعَاشِهَا بِالتِّجَارَةِ مِنْ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ إذَا فَارَقَتْ الْكُفْرَ وَدَخَلَتْ فِي الْإِسْلاَمِ مَعَ خِلاَفِ مُلْكِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ لِأَهْلِ الْإِسْلاَمِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: {إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ} فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ كِسْرَى ثَبَتَ لَهُ أَمْرٌ بَعْدَهُ، وَقَالَ {إذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ} فَلَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ الشَّامِ قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَأَجَابَهُمْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالُوا وَكَانَ كَمَا قَالَ عليه السلام وَقَطَعَ اللَّهُ الْأَكَاسِرَةَ عَنْ الْعِرَاقِ وَفَارِسَ وَقَيْصَرَ وَمَنْ قَامَ بَعْدَهُ بِالشَّامِ وَقَالَ فِي قَيْصَرَ يَثْبُتُ مُلْكُهُ فَثَبَتَ لَهُ مُلْكُهُ بِبِلاَدِ الرُّومِ إلَى الْيَوْمِ وَتَنَحَّى مُلْكُهُ عَنْ الشَّامِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى انْتَوَتْ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَيُنَزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَدَانَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَخَذَ عليهما الصلاة والسلام الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرَ دُومَةَ، وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ: إنَّهُ مِنْ غَسَّانَ أَوْ مِنْ كِنْدَةَ وَمِنْ أَهْلِ ذِمَّةِ الْيَمَنِ وَعَامَّتُهُمْ عَرَبٌ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَفِيهِمْ عَرَبٌ، فَدَلَّ مَا وَصَفْت أَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْأَحْسَابِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْأَدْيَانِ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعَامَّةِ أَهْلَ التَّوْرَاةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ النَّصَارَى وَكَانُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَأُحِطْنَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ كُتُبًا غَيْرَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} فَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُ كِتَابًا سِوَى هَذَا الْمَشْهُورِ قَالَ فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لاَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْعَرَبِ فَنَحْنُ كُنَّا عَلَى هَذَا أَحْرَصَ، وَلَوْلاَ أَنْ نَأْثَمَ بِتَمَنِّي بَاطِلٍ لَوَدِدْنَاهُ كَمَا قَالَ وَأَنْ لاَ يُجْرَى عَلَى عَرَبِيٍّ صَغَارٌ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَجَلُّ فِي أَعْيُنِنَا مِنْ أَنْ نُحِبَّ غَيْرَ مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ تَعَالَى. قَالَ وَالْمَجُوسُ أَهْلُ كِتَابٍ دَانُوا بِغَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَخَالَفُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي بَعْضِ دِينِهِمْ كَمَا خَالَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي بَعْضِ دِينِهِمْ، وَكَانَتْ الْمَجُوسُ فِي طَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ لاَ يَعْرِفُ السَّلَفُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ مِنْ دِينِهِمْ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَتَّى عَرَفُوهُ وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ بَدَّلُوا فَأَصْبَحُوا وَقَدْ أُسْرِيَ بِكِتَابِهِمْ وَأَخَذَهَا مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ مِثْلُهُمْ يُؤْخَذُ مِنْ جَمِيعِهِمْ الْجِزْيَةُ وَلاَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَلاَ مِمَّنْ عَبَدَ مَا اسْتَحْسَنَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ قَالَ: وَالصَّغَارُ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَتُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلاَمِ وَلاَ نَعْلَمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَحَدًا عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ فَمَنْ أَعْطَى مِنْهُمْ دِينَارًا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ مِنْ غَنِيٍّ وَلاَ فَقِيرٍ فَإِنْ زَادُوا قُبِلَ مِنْهُمْ وَقَالَ فِي كُتُبِ السِّيَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ جِزْيَةَ عَلَى فَقِيرٍ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدِي فِي أَصْلِهِ وَأَوْلَى عِنْدِي بِقَوْلِهِ وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى ضِيَافَةِ مَا وُظِّفَتْ ثَلاَثًا قَالَ: وَيُضَيِّفُ الْمُوسِرُ كَذَا وَالْوَسَطُ كَذَا وَيُسَمَّى مَا يُطْعِمُونَهُمْ خُبْزَ كَذَا وَأُدُمَ كَذَا وَيَعْلِفُونَ دَوَابَّهُمْ مِنْ التِّبْنِ وَالشَّعِيرِ كَذَا وَيُضَيِّفُ مَنْ مَرَّ بِهِ مِنْ وَاحِدٍ إلَى كَذَا. وَأَيْنَ يُنْزِلُونَهُمْ مِنْ فُضُولِ مَنَازِلِهِمْ أَوْ فِي كَنَائِسِهِمْ أَوْ فِيمَا يَكُنْ مِنْ حَرٍّ وَبَرْدٍ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ امْرَأَةٍ وَلاَ مَجْنُونٍ حَتَّى يُفِيقَ وَلاَ مَمْلُوكٍ حَتَّى يَعْتِقَ وَلاَ صَبِيٍّ حَتَّى يَنْبُتَ الشَّعْرُ تَحْتَ ثِيَابِهِ أَوْ يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَيَلْزَمَهُ الْجِزْيَةُ كَأَصْحَابِهِ وَتُؤْخَذُ مِنْ الشَّيْخِ الْفَانِي وَالزَّمِنِ وَمَنْ بَلَغَ وَأُمُّهُ نَصْرَانِيَّةٌ وَأَبُوهُ مَجُوسِيٌّ أَوْ أُمُّهُ مَجُوسِيَّةٌ وَأَبُوهُ نَصْرَانِيٌّ فَجِزْيَتُهُ جِزْيَةُ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لَسْت أَنْظُرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَأَيُّهُمْ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَالْإِمَامُ غَرِيمٌ يَضْرِبُ مَعَ غُرَمَائِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ وَقَدْ مَضَى بَعْضُ السَّنَةِ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْهَا وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ أَنَّ مَنْ ذَكَرَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أَوْ دِينَ اللَّهِ بِمَا لاَ يَنْبَغِي أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَصَابَهَا بِاسْمِ نِكَاحٍ أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ أَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ أَوْ أَعَانَ أَهْلَ الْحَرْبِ بِدَلاَلَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ آوَى عَيْنًا لَهُمْ فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَأُحِلَّ دَمُهُ وَبَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةُ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام. وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يُسْمِعُوا الْمُسْلِمِينَ شِرْكَهُمْ وَقَوْلَهُمْ فِي عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ وَلاَ يُسْمِعُونَهُمْ ضَرْبَ نَاقُوسٍ وَإِنْ فَعَلُوا عُزِّرُوا وَلاَ يَبْلُغُ بِهِمْ الْحَدَّ وَلاَ يُحْدِثُوا فِي أَمْصَارِ الْإِسْلاَمِ كَنِيسَةً وَلاَ مَجْمَعًا لِصَلاَتِهِمْ وَلاَ يُظْهِرُوا فِيهَا حَمْلَ خَمْرٍ وَلاَ إدْخَالَ خِنْزِيرٍ وَلاَ يُحْدِثُونَ بِنَاءً يَتَطَوَّلُونَ بِهِ بِنَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ هَيْئَتِهِمْ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَرْكَبِ وَبَيْنَ هَيْئَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَعْقِدُوا الزَّنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ وَلاَ يَدْخُلُوا مَسْجِدًا وَلاَ يَسْقُوا مُسْلِمًا خَمْرًا وَلاَ يُطْعِمُوهُ خِنْزِيرًا فَإِنْ كَانُوا فِي قَرْيَةٍ يَمْلِكُونَهَا مُنْفَرِدِينَ لَمْ نَتَعَرَّضْ لَهُمْ فِي خَمْرِهِمْ وَخَنَازِيرِهِمْ وَرَفْعِ بُنْيَانِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ بِمِصْرَ الْمُسْلِمِينَ كَنِيسَةٌ أَوْ بِنَاءٌ طَائِلٌ لِبِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ هَدْمُ ذَلِكَ وَتُرِكُوا عَلَى مَا وُجِدُوا وَمُنِعُوا إحْدَاثَ مِثْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمِصْرُ لِلْمُسْلِمِينَ أَحْيَوْهُ أَوْ فَتَحُوهُ عَنْوَةً وَشُرِطَ هَذَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانُوا فَتَحُوا بِلاَدَهُمْ عَلَى صُلْحٍ مِنْهُمْ عَلَى تَرْكِهِمْ ذَلِكَ خُلُّوا وَإِيَّاهُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى أَنْ يَنْزِلُوا بِلاَدَ الْإِسْلاَمِ يُحْدِثُوا فِيهَا ذَلِكَ وَيَكْتُبُ الْإِمَامُ أَسْمَاءَهُمْ وَحِلاَهُمْ فِي دِيوَانٍ وَيُعَرِّفُ عَلَيْهِمْ عُرَفَاءَ لاَ يَبْلُغُ مِنْهُمْ مَوْلُودٌ وَلاَ يَدْخُلُ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ. وَإِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ صُلْحُهُمْ بَعَثَ فِي كُلِّ بِلاَدٍ فَجُمِعَ الْبَالِغُونَ مِنْهُمْ ثُمَّ يُسْأَلُونَ عَنْ صُلْحِهِمْ فَمَنْ أَقَرَّ بِأَقَلِّ الْجِزْيَةِ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِزِيَادَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهَا وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ الْحِجَازَ بِحَالٍ وَلاَ يَبِينُ أَنْ يُحَرَّمَ أَنْ يَمُرَّ ذِمِّيٌّ بِالْحِجَازِ مَارًّا لاَ يُقِيمُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ لَيَالٍ وَذَلِكَ مُقَامُ مُسَافِرٍ لِاحْتِمَالِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِجْلاَئِهِمْ عَنْهَا أَنْ لاَ يَسْكُنُوهَا وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهَا الرُّسُلُ لقوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك} الآيَةَ. وَلَوْلاَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَجَّلَ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْهُمْ تَاجِرًا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يُقِيمُ فِيهَا بَعْدَ ثَلاَثٍ لَرَأَيْتُ أَنْ لاَ يُصَالَحُوا عَلَى أَنْ لاَ يَدْخُلُوهَا بِحَالٍ وَلاَ يُتْرَكُوا يَدْخُلُونَهَا إلَّا بِصُلْحٍ كَمَا كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إذَا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ وَلاَ يَتْرُكُ أَهْلَ الْحَرْبِ يَدْخُلُونَ بِلاَدَ الْإِسْلاَمِ تُجَّارًا فَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلاَ رِسَالَةٍ غَنِمُوا فَإِنْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ وَشُرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ عُشْرٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ أُخِذَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَسَوَاءٌ كَانُوا يُعَشِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَخَلُوا بِلاَدَهُمْ أَوْ يَخْمِسُونَهُمْ أَوْ لاَ يَعْرِضُونَ لَهُمْ وَإِذَا اتَّجَرُوا فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ إلَى أُفُقٍ مِنْ الْآفَاقِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً كَالْجِزْيَةِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ أَنْ يُؤْخَذَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُكْتَبَ لَهُمْ بَرَاءَةٌ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ وَلَوْلاَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَخَذَهُ مِنْهُمْ مَا أَخَذْنَاهُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ فِي سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً. قَالَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا أَخَذَ عُمَرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رُبُعُ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرُ اتِّبَاعًا لَهُ عَلَى مَا أَخَذَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: قَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحِ الْإِسْنَادِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ النَّبَطِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ الْعُشْرِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ الْحَمْلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَمِنْ الْقُطْنِيَّةِ الْعُشْرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلاَ أَحْسِبُهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إلَّا بِشَرْطٍ. قَالَ وَيُحَدِّدُ الْإِمَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي تِجَارَاتِهِمْ مَا يَبِينُ لَهُ وَلَهُمْ وَلِلْعَامَّةِ لِيَأْخُذَهُمْ بِهِ الْوُلاَةُ وَأَمَّا الْحَرَمُ فَلاَ يَدْخُلُهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِحَالٍ كَانَ لَهُ بِهَا مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَيَخْرُجُ الْإِمَامُ مِنْهُ إلَى الرُّسُلِ وَمَنْ كَانَ بِهَا مِنْهُمْ مَرِيضًا أَوْ مَاتَ أُخْرِجَ مَيِّتًا وَلَمْ يُدْفَنْ بِهَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ سَمِعَ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي يَرْوُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ {لاَ يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ فِي الْحَرَمِ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي نَصَارَى الْعَرَبِ مِنْ تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَلاَ يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ، وَهَكَذَا حَفِظَ أَهْلُ الْمَغَازِي قَالُوا رَامَهُمْ عُمَرُ عَلَى الْجِزْيَةِ فَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ لاَ نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجَمُ وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ؛ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لاَ، هَذَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لاَ بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَرَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ. قَالَ فَإِذَا ضَعَّفَهَا عَلَيْهِمْ فَانْظُرْ إلَى مَوَاشِيهِمْ وَذَهَبِهِمْ وَوَرِقِهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ وَمَا أَصَابُوا مِنْ مَعَادِنِ بِلاَدِهِمْ وَرِكَازِهَا وَكُلِّ أَمْرٍ أُخِذَ فِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ خُمُسٌ فَخُذْ خُمُسَيْنِ أَوْ عُشْرٌ فَخُذْ عُشْرَيْنِ أَوْ نِصْفُ عُشْرٍ فَخُذْ عُشْرًا أَوْ رُبُعُ عُشْرٍ فَخُذْ نِصْفَ عُشْرٍ، وَكَذَلِكَ مَاشِيَتُهُمْ خُذْ الضِّعْفَ مِنْهَا وَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ ذِمِّيٍّ عَرَبِيٍّ فَمَسْلَكُهُ مَسْلَكُ الْفَيْءِ وَمَا اتَّجَرَ بِهِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَهْلُ دِينِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَهُودًا تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الصَّدَقَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ بِقُوَّةِ عَدُوٍّ عَلَيْهِمْ- وَأَرْجُو أَنْ لاَ يُنْزِلَهَا اللَّهُ بِهِمْ- هَادَنَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ إلَى مُدَّةٍ يَرْجُو إلَيْهَا الْقُوَّةَ عَلَيْهِمْ لاَ تُجَاوِزُ مُدَّةَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي هَادَنَهُمْ عَلَيْهَا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُهَادِنَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَدَا لَهُ نَقَضَ الْهُدْنَةَ فَجَائِزٌ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى الْعَدُوِّ لَمْ يُهَادِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لقوله تعالى لَمَّا قَوِيَ الْإِسْلاَمُ {بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ} الآيَةَ. وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِصَفْوَان بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسِنِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لاَ أَعْلَمُهُ زَادَ أَحَدٌ بَعْدَ قُوَّةِ الْإِسْلاَمِ عَلَيْهَا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَمِّنَ الرَّسُولَ وَالْمُسْتَأْمَنَ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْلُغَانِ حَاجَتَهُمَا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ بِهَا سَنَةً بِغَيْرِ جِزْيَةٍ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِينَ شَهَادَةٌ وَأَنَّ الْإِسْلاَمَ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُعْطَى مُشْرِكٌ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ قَاتِلِينَ وَمَقْتُولِينَ ظَاهِرُونَ عَلَى الْحَقِّ إلَّا فِي حَالٍ يَخَافُونَ الِاصْطِدَامَ فَيُعْطُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ يَفْتَدِي مَأْسُورًا فَلاَ بَأْسَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ. وَإِنْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ فَالطَّاعَةُ نَقْضُهُ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي النِّسَاءِ وَقَدْ أَعْطَى الْمُشْرِكِينَ فِيهِنَّ مَا أَعْطَاهُمْ فِي الرِّجَالِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَجَاءَتْهُ أُمُّ كُلْثُوم بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً فَجَاءَ أَخَوَاهَا يَطْلُبَانِهَا فَمَنَعَهَا مِنْهُمَا وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ مَنَعَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ وَحَكَمَ فِيهِنَّ غَيْرَ حُكْمِهِ فِي الرِّجَالِ وَبِهَذَا قُلْنَا: لَوْ أَعْطَى الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْأَمَانَ عَلَى أَسِيرٍ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَالٍ ثُمَّ جَاءُوهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا نَزْعُهُ مِنْهُمْ بِلاَ عِوَضٍ وَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ إلَى أَبِيهِ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ إلَى أَهْلِهِ قِيلَ لَهُ أَهْلُوهُمْ أَشْفَقُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى سَلاَمَتِهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَقُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يُؤْذِيهِمْ فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُونُوا مُتَّهَمِينَ عَلَى أَنْ يَنَالُوهُمْ بِتَلَفٍ أَوْ عَذَابٍ وَإِنَّمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ دِينَهُمْ فَكَانُوا يُشَدِّدُونَ عَلَيْهِمْ بِتَرْكِ دِينِهِمْ كُرْهًا وَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ الْمَأْثَمَ فِي إكْرَاهِهِمْ أَوَلاَ تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ إذَا أُرِيدَ بِهِنَّ الْفِتْنَةُ ضَعُفْنَ وَلَمْ يَفْهَمْنَ فَهْمَ الرِّجَالِ وَكَانَ التَّقِيَّةُ تَسَعُهُنَّ وَكَانَ فِيهِنَّ أَنْ يُصِيبَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَهُنَّ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ قَالَ: وَإِنْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ مُهَادَنَةٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ فَجَاءَ سِوَى زَوْجِهَا فِي طَلَبِهَا مُنِعَ مِنْهَا بِلاَ عِوَضٍ. وَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا يُعْطَى مَا أَنْفَقَ وَهُوَ مَا دَفَعَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ. وَالْآخَرُ لاَ يُعْطَى وَقَالَ فِي آخِرِ الْجَوَابِ وَأَشْبَهُهُمَا أَنْ لاَ يُعْطَوْا عِوَضًا. قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ إلَّا الْخَلِيفَةُ أَوْ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ إنْفَاذُهُ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى خَرْجٍ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ يَكُونُ فِي أَمْوَالِهِمْ مَضْمُونًا كَالْجِزْيَةِ وَلاَ يَجُوزُ عُشُورُ مَا زَرَعُوا؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ أَنَّ الْجِزْيَةَ لاَ تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دَانَ دِينَ كِتَابِيٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ آبَاؤُهُ دَانُوا بِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ فَلاَ تُقْبَلُ مِمَّنْ بَدَّلَ يَهُودِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةً بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِ الْإِسْلاَمِ وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عَلَى مَا دَانُوا بِهِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام وَذَلِكَ خِلاَفُ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الدِّينِ بَعْدَهُ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَإِلَّا نُبِذَ إلَيْهِ عَهْدُهُ وَأُخْرِجَ مِنْ بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ بِمَا لَهُ وَصَارَ حَرْبًا وَمَنْ بَدَّلَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِيَّةٍ لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: قَدْ قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ إذَا بَدَّلَتْ بِدِينٍ يَحِلُّ نِكَاحُ أَهْلِهِ فَهِيَ حَلاَلٌ وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. قَالَ الْمُزَنِيّ فَمَنْ دَانَ مِنْهُمْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَإِذَا نَقَضَ الَّذِينَ عَقَدُوا الصُّلْحَ عَلَيْهِمْ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَلَمْ يُخَالِفُوا النَّاقِضَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ظَاهِرٍ أَوْ اعْتِزَالِ بِلاَدِهِمْ أَوْ يُرْسِلُونَ إلَى الْإِمَامِ أَنَّهُمْ عَلَى صُلْحِهِمْ فَلِلْإِمَامِ غَزْوُهُمْ وَقَتْلُ مُقَاتِلِيهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِيمَةُ أَمْوَالِهِمْ وَهَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبَنِي قُرَيْظَةَ عَقَدَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُهُمْ فَنَقَضَ وَلَمْ يُفَارِقُوهُ وَلَيْسَ كُلُّهُمْ أَشْرَكَ فِي الْمَعُونَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، وَلَكِنْ كُلُّهُمْ لَزِمَ حِصْنَهُ فَلَمْ يُفَارِقْ النَّاقِضَ إلَّا نَفَرٌ مِنْهُمْ، وَأَعَانَ عَلَى خُزَاعَةَ وَهُمْ فِي عَقْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَشَهِدُوا قِتَالَهُمْ فَغَزَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا عَامَ الْفَتْحِ بِغَدْرِ ثَلاَثَةِ نَفَرٍ مِنْهُمْ وَتَرْكِهِمْ مَعُونَةَ خُزَاعَةَ وَإِيوَائِهِمْ مَنْ قَاتَلَهَا قَالَ: وَمَتَى ظَهَرَ مِنْ مُهَادِنِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِيَانَتِهِمْ نُبِذَ إلَيْهِمْ عَهْدُهُمْ وَأَبْلَغَهُمْ مَأْمَنَهُمْ ثُمَّ هُمْ حَرْبٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} الآيَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ الْمَدِينَةَ وَادَعَ يَهُودَ كَافَّةً عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} إنَّمَا نَزَلَتْ فِيهِمْ وَلَمْ يُقَرُّوا أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَك وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ} الآيَةَ. قَالَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي أَحَدٍ مِنْ الْمُعَاهِدِينَ الَّذِينَ يُجْرَى عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ إذَا جَاءُوهُ فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ لِمَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَهُمْ صَاغِرُونَ}. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله هَذَا أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ لاَ يُحَدُّونَ وَأَرْفَعُهُمْ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَمَا كَانُوا يَدِينُونَ بِهِ فَلاَ يَجُوزُ حُكْمُنَا عَلَيْهِمْ بِإِبْطَالِهِ وَمَا أَحْدَثُوا مِمَّا لَيْسَ بِجَائِزٍ فِي دِينِهِمْ وَلَهُ حُكْمٌ عِنْدَنَا أُمْضِيَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَلاَ يَكْشِفُونَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا اسْتَحَلُّوهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهِدٍ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ غَيْرِهِمْ وَإِنْ جَاءَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ تَسْتَعْدِي بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوْ آلَى مِنْهَا حَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرْته فِي الظِّهَارِ أَنْ لاَ يُقَرَّ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَمَا يُؤَدِّي الْوَاجِبَ مِنْ حَدٍّ وَجُرْحٍ وَأَرْشٍ وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهُ وَأَنْفَذَ عِتْقَهُ وَلاَ أَفْسَخُ نِكَاحَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَفَا عَنْ عَقْدِ مَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْنَفَ وَرَدَّ مَا جَاوَزَ الْعَدَدَ إلَّا أَنْ يَتَحَاكَمُوا وَهِيَ فِي عِدَّةٍ فَنَفْسَخُهُ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا قَبَضَ مِنْ رِبًا أَوْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا عُفِيَ عَنْهُ وَمَنْ أَرَاقَ لَهُمْ خَمْرًا أَوْ قَتَلَ لَهُمْ خِنْزِيرًا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلاَ ثَمَنَ لِمُحَرَّمٍ فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتَ تُقِرُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ: نَعَمْ وَعَلَى الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ حَرَامٌ لاَ ثَمَنَ لَهُ وَإِنْ اسْتَحَلُّوهُ. قَالَ وَإِذَا كُسِرَ لَهُمْ صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غُرْمٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ عُودٍ وَكَانَ إذَا فُرِّقَ صَلَحَ لِغَيْرِ الصَّلِيبِ فَمَا نَقَصَ الْكَسْرُ الْعُودَ، وَكَذَلِكَ الطُّنْبُورُ وَالْمِزْمَارُ وَيَجُوزُ لِلنَّصْرَانِيِّ أَنْ يُقَارِضَ الْمُسْلِمَ وَأَكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَارِضَ النَّصْرَانِيَّ أَوْ يُشَارِكَهُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُكْرِيَ نَفْسَهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَلاَ أَفْسَخُهُ، وَإِذَا اشْتَرَى النَّصْرَانِيُّ مُصْحَفًا أَوْ دَفْتَرًا فِيهِ أَحَادِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَخْته، وَلَوْ أَوْصَى بِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ لِصَلاَةِ النَّصَارَى فَمَفْسُوخٌ، وَلَوْ قَالَ: يَنْزِلُهَا الْمَارَّةُ أَجَزْته وَلَيْسَ فِي بِنَائِهَا مَعْصِيَةٌ إلَّا بِأَنْ تُبْنَى لِصَلاَةِ النَّصَارَى وَلَوْ قَالَ: اُكْتُبُوا بِثُلُثَيَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ فَسَخْته لِتَبْدِيلِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} الآيَةَ.
إمْلاَءً مِنْ كِتَابِ أَشْهَبَ وَمِنْ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: كُلُّ مُعَلَّمٍ مِنْ كَلْبٍ وَفَهْدٍ وَنَمِرٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْوَحْشِ وَكَانَ إذَا أُشْلِيَ اُسْتُشْلِيَ وَإِذَا أَخَذَ حَبَسَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَإِذَا قَتَلَ فَكُلْ مَا لَمْ يَأْكُلْ. فَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ {فَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ}. قَالَ وَإِذَا جَمَعَ الْبَازِي أَوْ الصَّقْرَ أَوْ الْعُقَابَ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يَصِيدُ أَنْ يُدْعَى فَيُجِيبَ وَيُشْلَى فَيَطِيرَ وَيَأْخُذَ فَيَحْبِسَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ فَإِنْ قَتَلَ فَكُلْ وَإِذَا أَكَلَ فَفِي الْقِيَاسِ أَنَّهُ كَالْكَلْبِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله لَيْسَ الْبَازِي كَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّ الْبَازِيَ وَصْفُهُ إنَّمَا يُعَلَّمُ بِالطُّعْمِ وَبِهِ يَأْخُذُ الصَّيْدَ وَالْكَلْبُ يُؤَدَّبُ عَلَى تَرْكِ الطُّعْمِ وَالْكَلْبُ يُضْرَبُ أَدَبًا وَلاَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الطَّيْرِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَيُؤْكَلُ مَا قَتَلَ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ وَلاَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ الْكَلْبُ إذَا أَكَلَ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَرْسَلَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ فَلاَ بَأْسَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ. وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ كَلْبَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ أَوْ طَائِرَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ فَقَتَلاَ فَلاَ يُؤْكَلُ. وَإِذَا رَمَى أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَوَجَدَهُ قَتِيلاً فَالْخَبَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ يَأْكُلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصْمَيْت وَدَعْ مَا أَنْمَيْت وَمَا أَصْمَيْت هُوَ مَا قَتَلَهُ وَأَنْتَ تَرَاهُ وَمَا أَنْمَيْت مَا غَابَ عَنْك فَقَتَلَهُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مِنْهُ مَبْلَغَ الذَّبْحِ فَلاَ يَضُرُّهُ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ. وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَلَمْ يَبْلُغْ سِلاَحُهُ أَوْ مُعَلَّمُهُ مَا يَبْلُغُ الذَّبْحُ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَلاَ يَأْكُلُ كَانَ مَعَهُ مَا يَذْبَحُ بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْك أَنْ تَذْبَحَهُ وَمَعَك مَا تُذَكِّيهِ بِهِ وَلَمْ تُفَرِّطْ حَتَّى مَاتَ فَكُلْ. وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ يَرَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ رَأَى صَيْدًا وَنَوَاهُ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ وَإِنْ أَرْسَلَهُ وَلاَ يَرَى صَيْدًا وَنَوَى فَلاَ يَأْكُلُ وَلاَ تَعْمَلُ النِّيَّةُ إلَّا مَعَ عَيْنٍ تَرَى وَلَوْ كَانَ لاَ يَجُوزُ إلَّا مَا نَوَاهُ بِعَيْنِهِ لَكَانَ الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنْ لَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا عَلَى مِائَةِ ظَبْيٍ أَوْ كَلْبًا فَأَصَابَ وَاحِدًا فَالْوَاحِدُ الْمُصَابُ غَيْرُ مَنْوِيٍّ بِعَيْنِهِ. وَلَوْ خَرَجَ الْكَلْبُ إلَى الصَّيْدِ مِنْ غَيْرِ إرْسَالِ صَاحِبِهِ فَزَجَرَهُ فَانْزَجَرَ وَأَشْلاَهُ فَاسْتُشْلِيَ فَأَخَذَ وَقَتَلَ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ غَيْرُ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَلاَ يَأْكُلُ وَسَوَاءٌ اسْتَشْلاَهُ صَاحِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ تَجُوزُ ذَكَاتُهُ. وَإِذَا ضَرَبَ الصَّيْدَ فَقَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ أَكَلَ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الْقِطْعَتَيْنِ أَقَلَّ مِنْ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَطَعَ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلاً أَوْ أُذُنًا أَوْ شَيْئًا يُمْكِنُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَعِيشَ بَعْدُ سَاعَةً أَوْ مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْهَا ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدُ بِرَمْيَتِهِ أَكَلَ كُلَّ مَا كَانَ ثَابِتًا فِيهِ مِنْ أَعْضَائِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ الَّذِي بَانَ وَفِيهِ الْحَيَاةُ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مَقْطُوعٌ مِنْ حَيٍّ وَحَيِيَ بَعْدَ قَطْعِهِ، وَلَوْ مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْأَوَّلِ أَكَلَهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ بَعْضِهِ ذَكَاةٌ لِكُلِّهِ. وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَصِيدَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ وَلاَ يَجُوزُ أَكْلُ مَا صَادَ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ حُكْمُ الْمُرْسِلِ وَإِنَّمَا الْكَلْبُ أَدَاةٌ وَأَيُّ أَبَوَيْهِ كَانَ مَجُوسِيًّا فَلاَ أَرَى تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: وَلاَ يَنْكِحُ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً وَلَيْسَتْ كَالصَّغِيرَةِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهَا لِأَنَّ الْإِسْلاَمَ لاَ يُشْرِكُهُ الشِّرْكُ وَالشِّرْكُ يُشْرِكُهُ الشِّرْكُ. وَلاَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلْتهَا لِأُحْبُولَةٍ كَانَ فِيهَا سِلاَحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ. وَالذَّكَاةُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مِنْ إنْسِيٍّ أَوْ وَحْشِيٍّ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِأَنْ يُذَكَّى وَمَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ وَحْشِيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ فَمَا قَدَرْت بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الرَّمْيِ أَوْ السِّلاَحِ فَهُوَ بِهِ ذُكِّيَ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: {مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ سِنٍّ أَوْ ظُفُرٍ}؛ لِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالظُّفُرَ مَدَى الْحَبَشِ، وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ جَعَلَ ذَكَاةَ الْإِنْسِيِّ مِثْلَ ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ إذَا امْتَنَعَ قَالَ: وَلَمَّا كَانَ الْوَحْشِيُّ يَحِلُّ بِالْعَقْرِ مَا كَانَ مُمْتَنِعًا فَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْإِنْسِيُّ كَانَ كَذَلِكَ الْإِنْسِيُّ إذَا صَارَ كَالْوَحْشِيِّ مُمْتَنِعًا حَلَّ بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْوَحْشِيُّ. قَالَ: وَلَوْ وَقَعَ بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ وَطُعِنَ فَهُوَ كَالصَّيْدِ. وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَكَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ جَنَاحَهُ وَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ كَانَ حَرَامًا وَكَانَ عَلَى الرَّامِي الْآخَرِ قِيمَتُهُ بِالْحَالِ الَّتِي رَمَاهُ بِهَا مَكْسُورًا أَوْ مَقْطُوعًا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَقْطُوعًا؛ لِأَنَّهُ رَمَاهُ فَقَطَعَ رَأْسَهُ أَوْ بَلَغَ. مِنْ مَقَاتِلِهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ دُونَ جُرْحِ الْجَنَاحِ، وَلَوْ كَانَ جُرْحًا كَالْجُرْحِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَخَذَهُ رَبُّهُ فَمَاتَ فِي يَدَيْهِ فَقَدْ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ فَعَلَى الثَّانِي قِيمَةُ جُرْحِهِ مَقْطُوعَ الْجَنَاحِ الْأَوَّلِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا جُرْحَيْنِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مَقْطُوعَ الْجَنَاحَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ مَالِكِهِ. قَالَ وَلَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا بَعْدَ رَمْيَةِ الْأَوَّلِ يَطِيرُ إنْ كَانَ طَائِرًا أَوْ يَعْدُو إنْ كَانَ دَابَّةً ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَأَثْبَتَهُ كَانَ لِلثَّانِي، وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ بِهَذِهِ الْحَالِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ دُونَهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا الْجُرْحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَقَتَلاَهُ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَرَمَاهُ الثَّانِي وَلَمْ يَدْرِ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أَوْ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَلَوْ رَمَى طَائِرًا فَجَرَحَهُ ثُمَّ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ فَأَصَبْنَاهُ مَيِّتًا لَمْ نَدْرِ أَمَاتَ فِي الْهَوَاءِ أَمْ بَعْدَ مَا صَارَ إلَى الْأَرْضِ أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يُوصَلُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا إلَّا بِالْوُقُوعِ وَلَوْ حُرِّمَ هَذَا حُرِّمَ كُلُّ طَائِرٍ رُمِيَ فَوَقَعَ فَمَاتَ وَلَكِنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى عَنْهُ كَانَ مُتَرَدِّيًا لاَ يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الرَّمْيَةُ قَدْ قَطَعَتْ رَأْسَهُ أَوْ ذَبَحَتْهُ أَوْ قَطَعَتْهُ بِاثْنَتَيْنِ فَيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَرَدَّ إلَّا مُذَكًّى وَلاَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَهُ الرَّمْيُ إلَّا مَا خَرَقَ بِرِقَّتِهِ أَوْ قَطَعَ بِحَدِّهِ فَأَمَّا مَا جَرَحَ بِثِقَلِهِ فَهُوَ وَقِيذَةٌ. وَمَا نَالَتْهُ الْجَوَارِحُ فَقَتَلَتْهُ وَلَمْ تُدْمِهِ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَنْ لاَ يُؤْكَلَ حَتَّى يُجْرَحَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنْ الْجَوَارِحِ} وَالْآخَرُ أَنَّهُ حِلٌّ. قَالَ الْمُزَنِيّ الْأَوَّلُ أَوْلاَهُمَا بِهِ قِيَاسًا عَلَى رَامِي الصَّيْدِ أَوْ ضَارِبِهِ لاَ يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَجْرَحَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله لَوْ رَمَى شَخْصًا يَحْسِبُهُ حَجَرًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَلَوْ أَكَلَهُ مَا رَأَيْته مُحَرَّمًا كَمَا لَوْ أَخْطَأَ شَاةً فَذَبَحَهَا لاَ يُرِيدُهَا وَكَمَا لَوْ ذَبَحَهَا وَهُوَ يَرَاهَا خَشَبَةً لَيِّنَةً. وَمَنْ أَحْرَزَ صَيْدًا فَأَفْلَتَ مِنْهُ فَصَادَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَكُلُّ مَا أَصَابَهُ حَلاَلٌ فِي غَيْرِ حَرَمٍ مِمَّا يَكُونُ بِمَكَّةَ مِنْ حَمَامِهَا وَغَيْرِهِ فَلاَ بَأْسَ إنَّمَا نَمْنَعُ بِحَرَمِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ حَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ وَلَوْ تَحَوَّلَ مِنْ بُرْجٍ إلَى بُرْجٍ فَأَخَذَهُ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَوْ أَصَابَ ظَبْيًا مُقَرَّطًا فَهُوَ لِغَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ شَقَّ السَّبُعُ بَطْنَ شَاةٍ فَوَصَلَ إلَى مَعَاهَا مَا يُسْتَيْقَنُ أَنَّهَا لَمْ تُذَكَّ مَاتَتْ فَذُكِّيَتْ فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} وَالذَّكَاةُ جَائِزَةٌ بِالْقُرْآنِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله: وَأَعْرِفُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهَا لاَ تُؤْكَلُ إذَا بَلَغَ بِهَا مَا لاَ بَقَاءَ لِحَيَاتِهَا إلَّا حَيَاةِ الْمُذَكَّى وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ وَهُوَ عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنِّي وَجَدْت الشَّاةَ تَمُوتُ عَنْ ذَكَاةٍ فَتَحِلُّ وَعَنْ عَقْرٍ فَتُحَرَّمُ فَلَمَّا وَجَدْت الَّذِي أَوْجَبَ الذَّبْحُ مَوْتَهَا وَتَحْلِيلَهَا لاَ يُبَدِّلُهَا أَكْلُ السَّبُعِ لَهَا وَلاَ يُرَدُّ بِهَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ إذَا أَوْجَبَ السَّبُعُ مَوْتَهَا وَتَحْرِيمَهَا لَمْ يُبَدِّلْهَا الذَّبْحُ لَهَا وَلاَ أَعْلَمُ خِلاَفًا أَنَّ سَبُعًا لَوْ قَطَعَ مَا يُقْطَعُ الْمُذَكِّي مِنْ أَسْفَلِ حَلْقِهَا أَوْ أَعْلاَهُ ثُمَّ ذُبِحَتْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ السَّبُعُ مِنْ حَلْقِهَا أَنَّهَا مَيْتَةٌ وَلَوْ سَبَقَ الذَّابِحُ ثُمَّ قَطَعَ السَّبُعُ حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ الذَّابِحُ مِنْ حَلْقِهَا أَنَّهَا ذَكِيَّةٌ وَفِي هَذَا عَلَى مَا قُلْت دَلِيلٌ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَلَمْ يَبْلُغْ سِلاَحُهُ أَوْ مُعَلَّمُهُ مَا يَبْلُغُ الذَّابِحُ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَلاَ يَأْكُلُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الذَّابِحُ أَكَلَ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ لَوْ قَطَعَ حُلْقُومَ رَجُلٍ وَمَرِيئَهُ أَوْ قَطَعَ حَشْوَتَهُ فَأَبَانَهَا مِنْ جَوْفِهِ أَوْ صَيَّرَهُ فِي حَالِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ دُونَ الْآخَرِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ مِنْ قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَكُلُّ مَا كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مِنْ حُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَخَذَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَلَوْ كَانَ شَيْئًا تَطُولُ حَيَاتُهُ فَذَبَحَهُ لِاسْتِعْجَالِ مَوْتِهِ مَا كَرِهْته وَسَوَاءٌ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ لاَ ذَكَاةَ لَهُ وَسَوَاءٌ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَطَفَا مِنْ مَيْتَتِهِ أَوْ أُخِذَ حَيًّا، أَكَلَ أَبُو أَيُّوبَ سَمَكًا طَافِيًا وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ} الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ. أَحْسِبُهُ قَالَ: الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ} وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} وَهَذَا عُمُومٌ فَمَنْ خَصَّ مِنْهُ شَيْئًا فَالْمَخْصُوصُ لاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا بِسُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعِ الَّذِينَ لاَ يَجْهَلُونَ مَا أَرَادَ اللَّهُ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَلَوْ جَازَ أَنْ يُحَرَّمَ الْحُوتُ وَهُوَ ذَكِيٌّ؛ لِأَنَّهُ طَفَا لَجَازَ أَنْ يُحَرَّمَ الْمُذَكَّى مِنْ الْغَنَمِ إذَا طَفَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مِنْ كِتَابِ اخْتِلاَفِ الْأَحَادِيثِ وَمِنْ إمْلاَءٍ عَلَى كِتَابِ أَشْهَبَ وَمِنْ كِتَابِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ} وَقَالَ أَنَسٌ: وَأَنَا أُضَحِّي أَيْضًا بِكَبْشَيْنِ وَقَالَ أَنَسٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: {ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ وَذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْأَضْحَى فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ لِضَحِيَّةٍ أُخْرَى فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: لاَ أَجِدُ إلَّا جَذَعًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنْ لَمْ تَجِدْ إلَّا جَذَعًا فَاذْبَحْهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَاحْتَمَلَ أَمْرُهُ بِالْإِعَادَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَاحْتَمَلَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَمَّا قَالَ عليه السلام {إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا} دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانَا لاَ يُضَحِّيَانِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُرَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ اشْتَرَى بِدِرْهَمَيْنِ لَحْمًا فَقَالَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ وَأَمَرَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا اتِّبَاعًا وَاخْتِيَارًا بِدَلاَلَةِ السُّنَّةِ، وَرَوَتْ {عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُقَلِّدُهَا هُوَ بِيَدِهِ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةُ تَطَوُّعٍ لاَ نُحِبُّ تَرْكَهَا، وَإِذْ كَانَتْ غَيْرَ فَرْضٍ فَإِذَا ضَحَّى الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ فَقَدْ وَقَعَ ثَمَّ اسْمُ أُضْحِيَّةٍ. قَالَ وَيَجُوزُ فِي الضَّحَايَا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعَزِ وَلاَ يَجُوزُ دُونَ هَذَا مِنْ السِّنِّ وَالْإِبِلُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا مِنْ الْبَقَرِ وَالْبَقَرُ مِنْ الْغَنَمِ وَالضَّأْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمَعَزِ وَالْعَفْرَاءُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ السَّوْدَاءِ. وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} اسْتِسْمَانُ الْهَدْيِ وَاسْتِحْسَانُهُ. قَالَ وَلاَ يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَلاَ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَلاَ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَلاَ الْعَجْفَاءُ الَّتِي لاَ تُنْقِي وَلَيْسَ فِي الْقَرْنِ نَقْصٌ فَيُضَحَّى بِالْجَلْحَاءِ وَالْمَكْسُورَةُ الْقَرْنُ أَكْبَرُ مِنْهَا دَمِيَ قَرْنُهَا أَوْ لَمْ يَدْمَ وَلاَ تُجْزِئُ الْجَرْبَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ يُفْسِدُ لَحْمَهَا. وَلاَ وَقْتَ لِلذَّبْحِ يَوْمَ الْأَضْحَى إلَّا فِي قُدْرَةِ صَلاَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ حِينَ حَلَّتْ الصَّلاَةُ وَقَدْرِ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْقَدْرُ فَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ لِكُلِّ أَحَدٍ حَيْثُ كَانَ فَأَمَّا صَلاَةُ مَنْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ فِيهَا وَقْتٌ. قَالَ وَالذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَهِيَ مَا لاَ حَيَاةَ بَعْدَهُ إذَا قُطِعَ وَكَمَالُهَا بِأَرْبَعٍ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الذَّكَاةِ أَنْ يُبِينَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِفَرْيِ الْأَوْدَاجِ؛ لِأَنَّهَا لاَ تُفْرَى إلَّا بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، وَالْوَدَجَانِ عِرْقَانِ قَدْ يَنْسَلَّانِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ ثُمَّ يَحْيَا وَمَوْضِعُ النَّحْرِ فِي الِاخْتِيَارِ فِي السُّنَّةِ فِي اللَّبَّةِ وَمَوْضِعُ الذَّبْحِ فِي الِاخْتِيَارِ فِي السُّنَّةِ أَسْفَلُ مَجَامِعِ اللَّحْيَيْنِ فَإِذَا نُحِرَتْ بَقَرَةٌ أَوْ ذُبِحَ بَعِيرٌ فَجَائِزٌ، قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَزَادَ عُمَرُ وَلاَ تَعَجَّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ وَنَهَى عَنْ النَّخْعِ. قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يَذْبَحَ الْمَنَاسِكَ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا مُسْلِمٌ فَإِنْ ذَبَحَ مُشْرِكٌ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَجْزَأَ عَلَى كَرَاهِيَتِي لِمَا وَصَفْت، وَذَبْحُ مَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ امْرَأَةٍ حَائِضٍ وَصَبِيٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ ذَبْحِ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَلاَ بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الْأَخْرَسِ وَأَكْرَهُ ذَبِيحَةَ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَلاَ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا حَرَامٌ وَلاَ تَحِلُّ ذَبِيحَةُ نَصَارَى الْعَرَبِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ. قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يُوَجِّهَ الذَّبِيحَةَ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَقُولَ الرَّجُلُ عَلَى ذَبِيحَتِهِ: بِاسْمِ اللَّهِ، وَلاَ أَكْرَهُ الصَّلاَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهَا إيمَانٌ بِاَللَّهِ قَالَ عليه الصلاة والسلام أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَنْ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْك صَلَّيْت عَلَيْهِ. قَالَ فَإِنْ قَالَ: اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْ مِنِّي فَلاَ بَأْسَ هَذَا دُعَاءٌ فَلاَ أَكْرَهُهُ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَجْهٍ لاَ يَثْبُتُ {أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ فَقَالَ فِي أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَفِي الْآخَرِ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا ذَبَحَهَا فَقَطَعَ رَأْسَهَا فَهِيَ ذَكِيَّةٌ. وَلَوْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ تَحَرَّكَتْ بَعْدَ قَطْعِ الرَّأْسِ أُكِلَتْ وَإِلَّا لَمْ تُؤْكَلْ وَإِذَا أَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ، وَلَيْسَ شِرَاؤُهَا وَالنِّيَّةُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا إيجَابًا لَهَا فَإِذَا أَوْجَبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهَا بِحَالٍ وَإِنْ بَاعَهَا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ فَاتَتْ بِالْبَيْعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا مَكَانَهَا فَإِنْ بَلَغَ أُضْحِيَّتَيْنِ اشْتَرَاهُمَا؛ لِأَنَّ ثَمَنَهَا بَدَلٌ مِنْهَا وَإِنْ بَلَغَ أُضْحِيَّةً وَزَادَ شَيْئًا لاَ يَبْلُغْ أُخْرَى ضَحَّى بِأُضْحِيَّةٍ وَأَسْلَكَ الْفَضْلَ مَسْلَكَ الْأُضْحِيَّةِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ أُضْحِيَّةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ حَتَّى يُوفِيَهُ أُضْحِيَّةً؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِلضَّحِيَّةِ فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ أُضْحِيَّةٌ مِثْلُهَا فَإِنْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ ذُبِحَ مَعَهَا وَلاَ يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا الْفَضْلَ عَنْ وَلَدِهَا وَلاَ مَا يُنْهِكُ لَحْمَهَا وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلاَ يَجُزُّ صُوفَهَا وَإِنْ أَوْجَبَهَا هَدْيًا وَهُوَ تَامٌّ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ نَقْصٌ وَبَلَغَ الْمَنْسَكَ أَجْزَأَ، إنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَى يَوْمِ يُوجِبُهُ وَيَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ إلَى مَا جَعَلَهُ لَهُ، وَإِنْ أَوْجَبَهُ نَاقِصًا ذَبَحَهُ وَلَمْ يَجُزَّهُ. وَلَوْ ضَلَّتْ بَعْدَ مَا أَوْجَبَهَا فَلاَ بَدَلَ وَلَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ يُوجِبُهُ صَاحِبُهُ فَيَمُوتُ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ بَدَلٌ. وَلَوْ وَجَدَهَا وَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ كُلُّهَا صَنَعَ بِهَا كَمَا يَصْنَعُ فِي النَّحْرِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَ هَدْيَهَا الْعَامَ وَأَخَّرَهَا إلَى قَابِلٍ وَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِوَقْتٍ فَفَاتَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْإِيجَابُ. وَلَوْ أَنَّ مُضَحِّيَيْنِ ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ قِيمَةِ مَا ذَبَحَ حَيًّا وَمَذْبُوحًا وَأَجْزَأَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَحِيَّتُهُ وَهَدْيُهُ فَإِذَا ذَبَحَ لَيْلاً أَجْزَأَهُ وَالضَّحِيَّةُ نُسُكٌ مَأْذُونٌ فِي أَكْلِهِ وَإِطْعَامِهِ وَادِّخَارِهِ وَأَكْرَهُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْهُ وَالْمُبَادَلَةَ بِهِ وَمَعْقُولُ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يَعُودَ إلَى مَالِكِهِ إلَّا مَا أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ ثُمَّ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم فَاقْتَصَرْنَا عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنَعْنَا الْبَيْعَ عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ أَنَّهُ لِلَّهِ. وَلاَ تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ لِعَبْدٍ وَلاَ كَمُدَبَّرٍ وَلاَ أُمِّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ. وَإِذَا نَحَرَ سَبْعَةٌ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً فِي الضَّحَايَا أَوْ الْهَدْيِ كَانُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ شَتَّى فَسَوَاءٌ وَذَلِكَ يُجْزِي وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُضَحِّيًا وَبَعْضُهُمْ مُهْدِيًا أَوْ مُفْتَدِيًا أَجْزَأَ؛ لِأَنَّ سُبُعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُومُ مَقَامَ شَاةٍ مُنْفَرِدَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ لَحْمًا لاَ أُضْحِيَّةً وَلاَ هَدْيًا وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ {نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَهُمْ شَتَّى. قَالَ وَالْأَضْحَى جَائِزٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ مِنًى كُلَّهَا إلَى الْمَغِيبِ؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ نُسُكٍ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُضَحِّي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّهَا. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُضَحِّي فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ سِبَاعِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ {أُمِّ كُرْزٍ قَالَتْ: أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْأَلُهُ عَنْ لُحُومِ الْهَدْيِ فَسَمِعْته يَقُولُ عَنْ الْغُلاَمِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ لاَ يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَوْ إنَاثًا وَسَمِعْته يَقُولُ: أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله فَيُعَقُّ عَنْ الْغُلاَمِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {يَسْأَلُونَك مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ؟ قُلْ: أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ} وَقَالَ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِذَلِكَ الْعَرَبُ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ عَنْ هَذَا وَنَزَلَتْ فِيهِمْ الْأَحْكَامُ وَكَانُوا يَتْرُكُونَ مِنْ خَبِيثِ الْمَآكِلِ مَا لاَ يَتْرُكُ غَيْرُهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآيَةَ.، يَعْنِي مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ وَلَمْ يَكُنْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِيُحَرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فِي الْإِحْرَامِ إلَّا مَا كَانَ حَلاَلاً لَهُمْ فِي الْإِحْلاَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَلَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا مَخْرَجُهُ وَدَلَّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لاَ تَأْكُلُ مِمَّا أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتْلَهُ فِي الْإِحْرَامِ شَيْئًا وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَأَحَلَّ الضُّبُوعَ وَلَهَا نَابٌ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهَا وَتَدَعُ الْأَسَدَ وَالنَّمِرَ وَالذِّئْبَ تَحْرِيمًا لَهُ بِالتَّقَذُّرِ، وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ أَنَّ مَا عَدَا مِنْهَا عَلَى النَّاسِ لِقُوَّتِهِ بِنَابِهِ حَرَامٌ وَمَا لَمْ يَعْدُ عَلَيْهِمْ بِنَابِهِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وَمَا أَشْبَهَهُمَا حَلاَلٌ وَكَذَلِكَ تَتْرُكُ أَكْلَ النَّسْرِ وَالْبَازِي وَالصَّقْرِ وَالشَّاهَيْنِ وَهِيَ مِمَّا يَعْدُو عَلَى حَمَامِ النَّاسِ وَطَائِرِهِمْ، وَكَانَتْ تَتْرُكُ مِمَّا لاَ يَعْدُو مِنْ الطَّائِرِ الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالرَّخَمَةِ وَالْبُغَاثَةِ، وَكَذَلِكَ تَتْرُكُ اللُّحَكَاءَ وَالْعَظَاءَ وَالْخَنَافِسَ فَكَانَتْ دَاخِلَةً فِي مَعْنَى الْخَبَائِثِ وَخَارِجَةً مِنْ مَعْنَى الطَّيِّبَاتِ فَوَافَقَتْ السُّنَّةَ فِيمَا أَحَلُّوا وَحَرَّمُوا مَعَ الْكِتَابِ مَا وَصَفْت فَانْظُرْ مَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ تَحْرِيمٍ وَلاَ تَحْلِيلٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَأْكُلُهُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْحَلاَلِ وَالطَّيِّبَاتِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَلِّلُونَ مَا يَسْتَطِيبُونَ وَمَا لَمْ يَكُونُوا يَأْكُلُونَهُ بِاسْتِقْذَارِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْخَبَائِثِ وَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِ الضَّبِّ وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَافَهُ فَقِيلَ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ " لاَ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي " فَأُكِلَ مِنْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا تَرَكَهُ وَأَكَلَهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ زَيْتٍ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ وَلاَ بَيْعُهُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلاَ يَبِيعُهُ؟ قِيلَ: قَدْ يَنْتَفِعُ الْمُضْطَرُّ بِالْمَيْتَةِ وَلاَ يَبِيعُهَا وَيَنْتَفِعُ بِالطَّعَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلاَ يَبِيعُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، قَالَ: وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَأَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَنْتَفِعَ الرَّجُلُ بِالزَّيْتِ وَلاَ يَبِيعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ. قَالَ وَلاَ يَحِلُّ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَّا إهَابُهَا بِالدِّبَاغِ وَيُبَاعُ وَلاَ يَأْكُلُ الْمُضْطَرُّ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَّا مَا يَرُدُّ نَفْسَهُ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الِاضْطِرَارِ. قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ بِهَذَا أَقُولُ وَقَالَ فِيهِ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشَّيْءَ حَلاَلٌ وَحَرَامٌ، فَإِذَا كَانَ حَرَامًا لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ حَلاَلاً فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يُحَرَّمَ مِنْهُ شِبَعٌ وَلاَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا فَهُوَ مُحَرَّمٌ إلَّا مَا أَبَاحَ مِنْهُ بِصِفَةٍ فَإِذَا زَالَتْ الصِّفَةُ زَالَتْ الْإِبَاحَةُ. قَالَ الْمُزَنِيّ وَلاَ خِلاَفَ أَعْلَمُهُ أَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ وَهُوَ بَادِي الشِّبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ، فَإِذَا كَانَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ فَمُضْطَرٌّ فَإِذَا أَكَلَ مِنْهَا مَا يُذْهِبُ الْخَوْفَ فَقَدْ أَمِنَ فَارْتَفَعَ الِاضْطِرَارُ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله وَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْعِلَّةُ ارْتَفَعَ حُكْمُهَا وَرَجَعَ الْحُكْمُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ تَحْرِيمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَيْتَةَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يَرْتَفِعَ الِاضْطِرَارُ وَلاَ يَرْتَفِعُ حُكْمُهُ جَازَ أَنْ يَحْدُثَ الْإِضْرَارُ وَلاَ يَحْدُثُ حُكْمُهُ وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيمَا وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لاَ أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ إنْ مَرَّ الْمُضْطَرُّ بِتَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ مَا يَرُدُّ بِهِ جُوعَهُ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَلاَ أَرَى لِصَاحِبِهِ مَنْعَهُ فَضْلاً عَنْهُ وَخِفْت أَنْ يَكُونَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ إذَا خَافَ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ الْمَوْتَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله: وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَلَوْ قِيلَ: يَأْكُلُ الصَّيْدَ وَيَفْتَدِي كَانَ مَذْهَبًا. قَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله الصَّيْدُ مُحَرَّمٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَمُبَاحٌ لِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَالْمَيْتَةُ مُحَرَّمَةٌ لِعَيْنِهَا لاَ لِغَيْرِهَا عَلَى كُلِّ حَلاَلٍ وَحَرَامٍ فَهِيَ أَغْلَظُ تَحْرِيمًا فَإِحْيَاءُ نَفْسِهِ بِتَرْكِ الْأَغْلَظِ وَتَنَاوُلِ الْأَيْسَرِ أَوْلَى بِهِ مِنْ رُكُوبِ الْأَغْلَظِ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ الْمَدَنِيَّ وَالْكُوفِيَّ فِي الِانْتِفَاعِ بِشَعَرِ الْخِنْزِيرِ وَفِي صُوفِ الْمَيْتَةِ وَشَعَرِهَا فَقَالَ: لاَ يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
|